استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
تصاعد التوتر العسكري بصورة خطيرة بين باكستان والهند خلال الآونة الأخيرة، بعدما قامت الهند بعملية عسكرية داخل التراب الباكستاني كردّ فعل على «عملية إرهابية» تمت في منطقة «باهالجام» بالشطر الهندي من كشمير في شهر أبريل الماضي، خلّف أكثر من 20 قتيلا من السياح.
ومن جانبها بادرت باكستان إلى القيام بضربات مدفعية داخل التراب الهندي وبالجزء التابع لها من كشمير، وهو ما خلف عددا كبيرا من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، وأثار مخاوف إقليمية ودولية من توسع دائرة القتال، وبخاصة وأنهما يملكان معا السلاح النووي.
ينطوي النزاع بين البلدين على اعتبارات تاريخية متصلة بمخلّفات الاحتلال البريطاني منذ عام 1947، إلى جانب اعتبارات عسكرية متصلة بعدد من الحروب التي تورط فيها البلدان حول إقليم كشمير، وخلفيات استراتيجية مرتبطة أساسا بالتّنافس الإقليمي وتوزان القوى في المنطقة، وبخاصة مع دخولهما إلى النادي النووي، إلى جانب اعتبارات اقتصادية؛ لها علاقة بالرغبة في الهيمنة على منابع المياه والموارد الطبيعية التي يزخر بها إقليم كشمير.
حرصت باكستان منذ استقلالها على التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار معاهدة جنوب شرق آسيا، لكن تخلّف واشنطن عن دعمها في حربها ضد الهند في عام 1965 أثّر سلبا على هذا التحالف. وفي بداية الثمانينيات شكّل الغزو السوفييتي لأفغانستان مناسبة أخرى لتطوير العلاقات الأمريكية – الباكستانية. أما الهند فقد انخرطت في حركة عدم الانحياز والتعاون مع الاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة، كردّ فعل على التحالف الباكستاني - الأمريكي والتعاون بين باكستان والصين.
وبعد نهاية الحرب الباردة، واعتبارا لتطابق المصالح الهندية والأمريكية في منطقة جنوب آسيا، عاد الدفء إلى العلاقات بينها من جديد، حيث أضحت الولايات المتحدة ترى في الهند قوة إقليمية كبرى وتحفّزها على مواجهة العملاق الصيني القادم، والخطر الإسلامي المتنامي في المنطقة، وهو ما شجّعها (الهند) على تحجيم أي تطلعات باكستانية للاستئثار بأدوار إقليمية وازنة.
تورّطت باكستان والهند في ثلاث مواجهات عسكرية خطيرة، اثنتان منها (حرب1947 وحرب 1965) بسبب النزاع حول إقليم كشمير، بينما اندلعت المواجهة الثالثة بينهما في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما انضمت الهند لدعم بنغلادش عسكريا لتستقل وتنفصـل نهائيا عن باكستان عام 1971. وفي أعقاب عبور جنود باكستانيين لخط المراقبة بين البلدين عام 1999، كادت الأمور أن تتحول إلى مواجهة عسكرية؛ قبل أن تنتهي الأزمة بعودة الجنود إلى ما وراء الحدود.
يبدو أن الإحباطات التي مرت بها باكستان بعد انهزامها في بدايات السبعينيات من القرن الماضي في حربها مع الهند، وما تلا ذلك من انفصال باكستان الشرقية عنها (بنغلادش)، وإجراء الهند لأول تجربة نووية في عام 1974، كلها عوامل دفعتها (باكستان) إلى بذل جهود حثيثة لأجل امتلاك هذا السلاح الردعي في إطار تأمين كيانها واستقلالها، قبل أن تقوم في صيف عام 1998 بإجراء ستّ تجارب نووية، ما أفرز مخاوف إقليمية ودولية من أن يتحوّل الصراع بين البلدين النوويين إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب.
وفي خضم التطورات الأخيرة، التي شهدت قصفا بالصواريخ وعمليات جوية متبادلين، طالت منشآت عدة داخل كشمير والبنجاب، وجد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» الذي سبق وتعهد بحسم الحروب وتعزيز السلام العالمي، نفسه أمام وضع صعب طرفاه ينظران لملف كشمير من منطلق دبلوماسية الخطوط الحمراء، وهو ما دفعه إلى تحريك وساطة أفضت إلى التوصل إلى اتفاق فوري لوقف إطلاق النار.
لا شك أن وقف التصعيد قبل تطوره نحو الأسوأ وخروجه عن نطاق التحكم والسيطرة هو خطوة لا تخلو من أهمية، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بنزاع عسكري بين قوتين إقليميتين نوويتين، حيث ساهمت فيه مجموعة من المحددات كتوازن القوى، واقتناع الطرفين بخطورة اتساع دائرة الحرب. غير أن الأمر يتعلق بحلّ مرحلي، يظل معه الوضع قابلا للتفجّر في كل حين، مع إصرار البلدين على اتهام بعضهما البعض بدعم «الإرهاب»، وتوجّههما الحثيث نحو تعزيز قدراتهما العسكرية، وهو ما يتطلب إرساء تسوية جذرية، من خلال إيجاد حل واقعي ومستدام للنزاع حول كشمير، وتكثيف التنسيق لمكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، بما يسمح بتشبيك المصالح ودعم الحوار البنّاء.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات