مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-10-01

الشرق الأوسط و«الفوضى الفتاكة»

نجحت الدول العربية في المنطقة في تجاوز مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان يفترض أن يقوم عبر نشر الفوضى الخلاقة فيها.. فبعد أن صمدت مصر- الدولة العربية الكبرى في المنطقة- أمام ما كان يسمى بالربيع العربي، توقف انتشار الفوضى الخلاقة التي لم تتجاوز عدة دول عربية.
 
وبعد فشل نشر الفوضى الناعمة التي كانت أداتها جماعات الإسلام السياسي التي كانت تقدم نفسها على أنها جماعات وسطية تقبل الديمقراطية وتحاور الجميع.. جاء البديل سريعاً في صورة «الفوضى الفتاكة» فهي الوجه الآخر -الحقيقي- لهذه الجماعات وهي الوجه المتطرف منها الذي تحاول أن تخفيه تلك الجماعات، فظهرت «داعش» وأخواتها من تنظيمات لبست عباءة الإسلام وتكلمت باسمه.
 
 
بكل وضوح نستطيع أن نقول إننا نعيش اليوم حالة من الفوضى الفتاكة في المنطقة.. فوضى تأكل الأخضر واليابس، تضرب الناس بعضهم ببعض، فوضى تقطع أوصال المنطقة وتقطع رؤوس البشر وتنشر النار في كل مكان، في سابقة لم تشهدها منطقتنا في تاريخها الحديث.
 
 
لقد أساء الداعشيون ومن دعمهم إساءات بالغة للإسلام والمسلمين؛ أولاً باستخدامهم راية الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كشعار وعلامة لهم، وأساءوا للإسلام وهم يلوون عنق الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ليبرروا عنفهم وجرائمهم.. وفي المقابل ما اقترفه الآخرون من وسائل إعلام وحكومات غربية في حق الإسلام لم يكن أقل سوءاً عندما اعتمدوا تسمية هذا التنظيم الإرهابي بـ«الدولة الإسلامية»، وكأن تلك المجموعة الإرهابية بسلوكها وتصرفاتها وقوانينها هي «الدولة الإسلامية»! وكل من يعرف الإسلام الحق يعرف تماماً إنه بريء من أفعال أتباع هذا التنظيم لذا، فالأجدر بالزعماء والساسة الغربيين أن يتوقفوا عن استخدام هذه التسمية عند حديثهم عن ذلك التنظيم، فدولة الإسلام لا تقيمها مجموعة متطرفة من الخوارج ممن لا يعرفون إلا القتل والذبح والترويع والترهيب.
 
 
عندما حان وقت مواجهة «داعش» وتجمعت الدول التي أصبح عددها اليوم 62 دولة في تحالف ضد هذا التنظيم، كانت الإمارات من أوائل الدول التي شاركت فيه، فمن منطلق قومي وإسلامي وأمني لم يعد ممكناً الوقوف أمام ما تقوم به الجماعات الإرهابية دون أي تحرك.. لذا أصبح واضحاً للجميع، مرة أخرى، جدية الإمارات في مواجهة الأخطار التي تواجه المنطقة ولم يعد مقبولاً الوقوف في المنطقة الرمادية في وقت أصبح فيه الخطر واضحاً ويزداد انتشاراً ويقترب من الجميع.
 
 
الشارع الإماراتي منذ اللحظة الأولى بدا مؤيداً لمشاركة الطائرات الإماراتية في هذه الحرب ضد الإرهاب والإماراتيون لا يرون «داعش» مجرد مجموعة إرهابية تعمل داخل مناطق محددة، بل يرون أنها أصبحت تشكل خطراً حقيقاً، فهي تتمدد جغرافياً وتسعى للوصول إلى مناطق جديدة، كما تتوسع معنوياً بتجنيدها أتباعاً جدداً خارج مناطق عملياتها؛ فتغرر بالشباب لجذبهم إلى مناطقها بادعاء الجهاد والحرب المقدسة! لذا فالجميع يتفق أن الحرب على الإرهاب لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة لحماية المنطقة وأبنائها من مستقبل عنيف.
 
 
وفي المقابل فإن الجميع يدرك أن الحرب ضد «داعش» لا تنهيها الطائرات الحربية ولا الضربات الجوية، فهذه الحرب بالدرجة الأولى هي حرب داخل العقول التي تحرك أولئك الذين نزعت الرحمة من قلوبهم.. وهذه حرب طويلة وتحتاج إلى تكاتف الجميع. والحرب على الإرهاب تحتاج إلى رؤية واضحة وإلى شجاعة استراتيجية، فمثل هذه الحروب تستغرق وقتاً وتواجه عدواً غير واضح المعالم، و«داعش» نوع آخر من الإرهاب العميق في عنفه والسطحي في تعاطيه مع أعدائه.
 
 
المسؤولية الأخلاقية للعالم أصبحت تحتم تحركاً فعلياً، وهذا التحرك وإن بدأ عسكرياً فلابد أن يوازيه عمل فكري ثقافي على أرض الواقع في كل الدول العربية وفي الدول الغربية التي تعيش فيها جاليات مسلمة. فالخطاب الديني أصبح مشوشاً ومليئاً بالمغالطات التي تحتاج إلى تنقيح واستمرارها يعني بقاء فكر «داعش» و«الإخوان» وغيرهما من الجماعات التي تستغل الدين لأغراض لا علاقة لها بالدين! وما يقوم به الداعشيون من حروب عسكرية وإرهاب ميداني أساسه أفكار إرهابية وفهم مغلوط لنصوص دينية نجح أصحاب الفكر الأيديولوجي الديني من خلالها في ليّ عنق تلك النصوص بحيث تخدم أفكارهم وأيديولوجياتهم العنيفة.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره