2023-01-01
العرب.. والحلفاء الدوليون
اعتبر، أغلبنا، أن القمم الصينية الثلاثة مع العرب في العاصمة السعودية، الرياض، خلال الثلث الأول من شهر ديسمبر الماضي، يُعد تحولاً استراتيجياً مهما في العلاقات العربية مع الدول الكبرى خاصة وأنها أقلقت الولايات المتحدة وإيران «الخصمين» المتنافسين على النفوذ في المنطقة، ولكن من الناحية العملية والواقعية تلك القمم لا تعني بتاتاً التخلي أو الانسلاخ الكامل من الحليف التقليدي لأغلب الدول العربية الولايات المتحدة الأمريكية، وإلا سيكون تقييم -من يؤمنون بذلك التحول- غير موضوعي.
جمهورية الصين الشعبية رغم أنها عملاق اقتصادي وتجاري عالمي ويزحف بقوة نحو السيطرة على هذا الجانب من خلال مبادرته أو استراتيجية (الطريق والحزام) الذي أطلقها الرئيس الذي تم التجديد له للمرة الثالثة في سابقة صينية، شي جين بينغ في العام 2014، ورغم أن الصين تمثل تهديداً لكل القوى الاقتصادية في العالم إلا أنه تظل القوة الثانية بعد الولايات المتحدة حتى من ناحية التبادل التجاري. التركيز على الاقتصاد رغم أنها ميزة في بناء صداقات دولية إلا أن ما يعيبها أن صاحبها يكون متردد في القرارات السياسية والأمنية.
الفكرة السابقة تنطبق على الصين فهو في الجانب الاقتصادي عملاق ويمكن الاعتماد عليه ولكن هذا الجانب قد يكون غائباً على الأقل لأنه لم يتم اختباره بعد بشكل عملي.
هناك متابعة ومراقبة قيد التقييم حول رغبة الصين في أن تحدد مواقفها السياسية بشكل واضح في عدد من القضايا التي قد تشتت مواقف بعض حلفاءها. فهي حتى الآن لم تحدد موقفها صراحة من حليفها روسيا هل هي مع الرئيس فلاديمير بوتين ضد الغرب، أم أنها تميل إلى الطرف الأمريكي الداعم لأوكرانيا ضد روسيا في الحرب الأوكرانية-الروسية والأمر ينطبق على إيران فمواقف الصين السياسية تحتاج إلى اختبار وامتحان عملي لمعرفة مدى الضمان الحليف الجديد للعرب.
الرغبة الصينية في الانفتاح على العرب جميعاً موجودة منذ أن قررت الانفتاح على العالم في 2004 والخروج من عزلتها الاختيارية وقد سمعنا عن ذلك في الكثير من اللقاءات مع المسئولين الصينيين، ولكن الرغبة العربية في التقارب مع الصين هي المتغير الجديد الذي ينبغي التوقف أمامه وربما السبب في ذلك هو الخلاف مع الادارة الديموقراطية في البيت الأبيض التي تبدو أنها غير واعية بالقرارات التي تتخذها ضد حلفاءها التقليديين من العرب، وبالتالي فموضوع الانفتاح الاستراتيجي على الصين يحتاج لوقت كي تتضح ملامحه أكثر، خاصة وأن تصريحات عدد من المسئولين العرب بعد القمم الثلاث فيها تأكيد على أهمية الحليف الأمريكي لأن هناك العديد من المصالح والرؤى المتشاركة في العديد من الملفات والقضايا المشتركة.
على المتحمسين كثيراً من هذا الانفتاح عدم التسرع في اعتبار أنها تعني التفكك الكامل من العلاقة مع الولايات المتحدة بقدر ما أنها محاولة موازنة العرب في علاقاتهم مع الدول الكبرى، وأنها رسالة سياسية بالغة التعبير للإدارة الديموقراطية وليس للولايات المتحدة الأمريكية بأن المزاج السياسي العربي والخليجي تحديداً ليس على ما يرام تجاه سياساتهم غير محسوبة العواقب على طبيعة العلاقات معها.
إن الحركة الدبلوماسية العربية مع الصين وكذلك مع روسيا وغيرها من الدول الإقليمية الفاعلة تعبير عملي عن أهمية تنويع العلاقات الدولية مع الجميع وفق نظرية (قدم الأفضل ستحصل الأفضل) ولكنها لا تعني التخلي عن الولايات المتحدة أو غيرها من الحلفاء. وتبقى الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة إذا ما جاءت برئيس جمهوري أول خطوة لتقييم المدى الذي يمكن أن تسير فيه العلاقات الصينية العربية.
ارشيف الكاتب
لا يوجد تعليقات