مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-01

تراجع القطبية في العالم العربي

لعل واحدة من أبرز سمات النظام العالي الحالي هو التراجع الواضح للقطبية الدولية Polarity وبروز ما يسمى بالتشاركية التعددية Multilateralism. القطبية الدولية تعني وجود قطب أو عدة أقطاب دولية في شكل دول تتمتع كل واحدة منها بقدرات سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية هائلة تتفوق من خلالها على الأخرين وتجعلها مركز ثقل للقوة تنجذب لها الدول الأقل قوة منها لتحقيق مصالحها والدفاع عن نفسها.
 
 
فعندما كان العالم في فترة الحرب الباردة (1949-1990) منقسم إلى قطبين رئيسين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، انقسمت معهما دول العالم إلى قسمين: دول تتقارب مع القطب الأمريكي ودول تتقارب مع القطب الروسي. وفي تلك الفترة سايرت منطقتنا العربية هذا التشكل الدولي.
 
 
إلا أن ممارسة القطبية الدولية تواجه اليوم تراجعاً واضحاً بسبب: أولاً، تراجع رغبة أو قدرة القطب الأبرز في العالم ألا وهو الولايات المتحدة عن أخذ زمام القيادة العالمية بالشكل الذي يفرض نفسه على كل مناطق العالم باعتباره القوة المهيمنة الأوحد في النظام الدولي. وثانياً، بروز قوة جديدة صاعدة تتميز بقدرات تعطيها الإمكانية على أن تكون قوة عالمية في نظر العديد من دول العالم. هذا الأمر جعل من فكرة قطبية النظام العالمي تتراجع شيئاً فشيئاً في مخيلة وتفكير الكثير من قادة دول العالم الذين أصبحوا يدركون بأنه بمقدورهم أن يكونوا هم أيضاً أطراف فاعلة في النظام الدولي من دون الالتزام الكامل بمظلة القطب الأكبر.
 
 
وفي مطقتنا العربية نشهد بشكل جلي بروز هذا التراجع في مفهوم وممارسة القطبية، حيث أنه لم تعد تلك الدول التي كانت ينظر إليها على أنها أقطاب رئيسية في المنطقة تلعب ذلك الدور، سواء كان ذلك في ممارساتها أو مخيلة الآخرين من حولها. 
 
 
وهذا يعكس لنا تحول المنطقة إلى مفهوم التشاركية بدلاً من القطبية. ففي التشاركية الجميع يستطيع أن يلعب دور في مسار تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في النظام الإقليمي وليس الاعتماد على قطب أو أقطاب بعينها للقيام بتلك المهمة. فالمنطقة تجاوزت القطبية وأصبحت اليوم أكثر قرباً نحو التشاركية. وهذه كما ذكرنا هي سمة النظام العالمي الذي لم يعد هو أيضاً يتمحور حول القطبية الدولية بل دخلت فكرة التشاركية التعددية باعتبارها فحوى جديدة وسمة بارزة من سمات النظام العالمي الذي نعيشه اليوم. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تُدير شؤون العالم بنفسها، بل هناك أطراف دولية تلعب دور في ذلك ولا يمكن تجاهلها. فالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية، وجنوب أفريقيا، والهند، والبرازيل، ومنظمات دولية كمنظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة بريكس كلها أطراف لها تأثير على النظام العالمي، وجميعها يساهم بشكل أو بآخر في دعم منظومة التفاعلات العالمية بعيداً عن قطب بعينة كما كان في السابق عندما كان النظام الدولي ثنائي القطبية في فترة الحرب الباردة أو عندما كان أحادي في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
 
 
التشاركية التعددية مظهر مهم من مظاهر النظام الدولي وهي سمة إيجابية لتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين من خلال إشراك الجميع في مسئولية المحافظة على الأمن والاستقرار في النظام العالمي، وعدم حصر المهمة على دولة أو اثنتين لفرض هيمنتهما على النظام العالمي. وما نشهده اليوم هو رفض واضح من الولايات المتحدة للقبول بالسير نحو التشاركية التعددية، الأمر الذي يجعلها تتبع سياسات لمواجهة بروز دول أخرى كالصين بشكل واضح، وذلك من أجل إبقاء نفسها مهيمنة على النظام العالمي. مثل هذا التحرك خطير وقد يعرض العالم إلى انتكاسات أمنية واقتصادية كبيرة بسبب الإصرار في هذا الاتجاه لأنه اتجاه تصادمي. فتجاوز هذا الأمر يتطلب منا القبول بالسير نحو التشاركية التعددية وعدم محاولة القضاء عليها. وذات الأمر من المفترض أن يحدث في الحالة الإقليمية العربية، حيث أن تراجع القطبية الواضح يجب أن لا يقابله رغبة من قبل مثل تلك الدول لإعادة الحالة القطبية من جديد بالقوة بل عليها مسايرة بروز قوة اقليمية قادرة على لعب دور في تحقيق التنمية والمساهمة في الأمن والاستقرار الإقليمي.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره