مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-07-09

العلاقات الإماراتية ـ التركيـة: شراكة متطورة وآفاق واعدة

يمثل عام 2021، بداية انطلاقة جديدة للشراكة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية التركية، حيث شهدت العلاقات الثنائية طفرة نوعية على جميع الأصعدة والمستويات، وبات التعاون الإماراتي ـ التركي، محركاً جديداً من محركات التنمية والتغيير ومؤشراً مهماً على ما تشهده منطقة الشرق الأوسط والعالم من تحولات استراتيجية تؤسس لعالم ما بعد أوكرانيا. وفي هذا العدد تسلط “درع الوطن” الضوء على العلاقات الإماراتية ـ التركية وما تشهده من تطورات ايجابية متسارعة من شأنها أن تسهم في تحقيق مصالح البلدين، والاسهام في تحقيق التنمية والازدهار والأمن والاستقرار على الصعيد الاقليمي.
 
إعداد: هيئة التحرير
 
في يونيو الماضي، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بزيارة رسمية إلى تركيا، على رأس وفد رسمي رفيع المستوى، ضم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة، وأجرى سموه خلال هذه الزيارة محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن تعزيز العلاقات الاستراتيجية، وأظهرت لقطات مصورة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله ـ والرئيس أردوغان وهما يجلسان في داخل سيارة من طراز «توغ»، حيث استعرضا أول سيارة كهربائية تركية الصنع. وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الزيارة، حرص البلدين على ترسيخ نموذج للتعاون والشراكة في المنطقة، يقوم على قاعدة التنمية المستدامة ودعم جهود السلام والاستقرار الإقليميين لبناء مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة وتحقيق الازدهار الاقتصادي المستدام.
 
وقد أعطت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لتركيا، دفعة قوية للعلاقات بين البلدين اللذين دشّنا مؤخراً مرحلة جديدة من الشراكة بتوقيع اتفاقية اقتصادية شاملة تهدف إلى تعزيز حجم التبادل التجاري بين البلدين.  وقال الرئيس أردوغان خلال هذه الزيارة إن بلاده تولي علاقاتها مع دولة الإمارات أهمية خاصة كونها شريكًا مهمًّا في دعم التنمية الاقتصادية والاستقرار والسلام على المستويين الإقليمي والعالمي. من جهته، أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان  إلى أنه بحث مع الرئيس أردوغان تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين تركيا والإمارات، ودفع الشراكة الاقتصادية إلى الأمام. ووفقًا لوكالة الأنباء الإماراتية، فقد اعتبر  صاحب السمو رئيس الدولة أن الزيارة تشكل دفعًا قويًّا لتطور العلاقات بين البلدين نحو الآفاق التي يتطلعان إليها، وبما يخدم شراكتهما ومصالحهما المتبادلة.
 
تطور نوعي سريع
خلال العامين الماضيين شهدت العلاقات الإماراتية ـ التركية تطورات إيجابية ملموسة، مدعومة من الزيارات الرسمية المتبادلة بين قيادتي الدولتين؛ ففي الثامن عشر من شهر أغسطس 2021، انطلقت مسيرة العلاقات الإماراتية ـ التركية مجدداً لفتح صفحة ومرحلة جديدة وتُستأنف رحلة التعاون، إثر الزيارة التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني إلى تركيا، حيث التقى الرئيس رجب طيب أردوغان، في إطار ماوصفه الدكتور أنور قرقاش المستشار السياسي لصاحب السمو رئيس الدولة بـ «اجتماع تاريخي وإيجابي»، مشيراً إلى أن «الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتوطيد العلاقات»، وأن «التعاون والشراكات الاقتصادية كان المحور الرئيسي للاجتماع»، وأن أولويات الازدهار والتننمية هي المحرك الأساسي للتوجهات الداخلية الإماراتية وهي أيضاً قاطرة السياسة الخارجية للدولة، في إشارة واضحة إلى أن التركيز والهدف الأساسي ينصب على التنمية والازدهار وتحقيق أهداف التنافسية العالمية التي تصبو إليها الإمارات وقيادتها الرشيدة. وكانت هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول إماراتي رفيع المستوى إلى تركيا منذ عام 2012.
 
 أعقب هذه الزيارة المفصلية الفارقة، اتصال هاتفي بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس التركي، حيث تناول الاتصال بحث «العلاقات الثنائية و السبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين»، بحسب ماذكرت وكالة أنباء الإمارات، التي أشارت أيضاً إلى أن الرئيسين تبادلا وجهات النظر بـ»عدد من القضايا و الملفات الدولية و الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».
 
في ضوء ماسبق، انطلقت مسيرة التعاون الإماراتي ـ التركي مجدداً لتستأنف رحلتها التي تؤكد شواهدها أن هناك إرادة مشتركة للمضي قدماً والارتقاء بها إلى مستويات تليق بقدرات البلدين وطموحات قيادتيهما لاسيما على الصعيد الاقتصادي، حيث كان واضحاً أن التركيز سيكون على الاقتصاد والمصالح المشتركة في مجالات الاستثمار والتنمية بدلاً من الاستغراق في جدليات السياسة وخلافاتها.
 
في الرابع والعشرين من نوفمبر 2021، كان الاستقبال الاستثنائي الذي حظي به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال زيارته الرسمية إلى أنقرة، أبرز مؤشر على وجود إرادة سياسية قوية لدى الجانب التركي على أن يبعث برسالة قوية إلى القيادة الإماراتية بأن صفحة التوتر العابر في علاقات البلدين قد انطوت نهائياً، وحلت محلها رغبة أكيدة في صفحة جديدة قائمة على التعاون والمصالح المشتركة وتتويج إشارات التقارب بين البلدين بحزمة من الاتفاقات ومذكرات التفاهم، بما يترجم النوايا إلى أفعال تحقق أهداف الجانبين، وكان أبرز نتائج هذه الزيارة الكشف عن تأسيس صندوق استثمارات إماراتية في تركيا بنحو 10 مليارات دولار ما أسهم في تعزيز مكانة الليرة في مواجهة الضغوط الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التركي.
 
وفي فبراير من عام 2022، تعززت خطوات التقارب أكثر فأكثر، بقيام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيارة رسمية إلى الإمارات كانت الأولى له لأبوظبي منذ نحو تسع سنوات، بعد عودة الدفء للعلاقات بين القوتين الإقليميتين، وبعدها قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى أبوظبي لتقديم واجب العزاء في وفاة الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكانت تلك ثاني زيارة للرئيس التركي للإمارات خلال ثلاثة أشهر.
 
 وخلال زيارته الرسمية الأولى للإمارات منذ توليه مقاليد الحكم، كرئيس للبلاد قبل 8 سنوات (كانت آخر زيارة للرئيس أردوغان للإمارات قد تمت في فبراير 2013 ووقتها كان رئيساً للوزراء كما كانت أول زيارة لرئيس تركي للإمارات منذ 10 سنوات، بعد زيارة الرئيس التركي السابق عبدالله غول للإمارات في يناير 2012)، أكد الرئيس أردوغان أن بلاده تدعم أمن واستقرار الإمارات ولا تفرق بين أمن تركيا وأمن منطقة الخليج.  وكتب الرئيس أردوغان على حسابه في موقع  “تويتر”: “أنهينا اليوم بنجاح الزيارة التي أجريناها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. وخلال الاجتماعات التي عقدناها، أظهرنا إرادة مشتركة قوية فيما يتعلق بتطوير العلاقات وزيادة الاستثمارات، ووقعنا 13 اتفاقية تعاون”. وكانت الإمارات قد استبقت من جانبها الزيارة بالتعبير عن احتفائها بالرئيس التركي عبر العديد من المظاهر الاحتفالية التي عكست تقديراً إماراتياً رسمياً لضيف البلاد.
 
وجاءت زيارة الرئيس أردوغان للإمارات، بعد 3 شهور من زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا في 24 نوفمبر 2021 ، والتي كانت بمثابة محطة تاريخية ونقلة مهمة في مسار العلاقات بين البلدين. وبين الزيارتين،  شهدت علاقات البلدين زيارات متبادلة ومباحثات متواصلة واتفاقيات مشتركة، ساهمت بشكل كبير في تسريع خطى التعاون والتقارب الثنائي، حتى ارتقى إلى مرحلة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الإماراتية ـ التركية.
 
افتتحت تركيا سفارة لها في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1979، بينما افتتحت الإمارات سفارة لها في أنقرة في عام 1983. وفي إطار الزيارات الرفيعة التي جرت في السنوات الأخيرة، أجرى السيد مولود تشاووش أوغلو وزير الخارجية زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 25 أبريل 2016، بينما أجرى سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي زيارة لتركيا يومي 17-16 أكتوبر 2016. ومن جهة أخرى، جرت المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين بتاريخ 9 فبراير 2017 في أنقرة برئاسة مشتركة من قبل السفير أوميت يالتشين الأمين العام السابق لوزارة الخارجية التركية ونظيره الإماراتي أحمد الجرمان.
 
وقد عقدت اجتماعات الدورة التاسعة للّجنة الاقتصادية المشتركة التركية الإماراتية يومي 7-6 فبراير 2017 في أنقرة. و تم تأسيس مجلس الأعمال التركي الإماراتي بموجب الاتفاقية المبرمة في عام 2000 بين هيئة العلاقات الاقتصادية الخارجية وبين كل من غرفة تجارة وصناعة أبو ظبي وغرفة تجارة وصناعة دبي واتحاد غرف التجارة والصناعة في الإمارات العربية المتحدة وغرفة تجارة وصناعة الشارقة. وعقد أعضاء الهيئة التنفيذية في مجلس الأعمال التركي الإماراتي اجتماع لهم في الفترة ما بين 7-9 مايو 2017 في دبي استضافته غرفة التجارة والصناعة في دبي. وقد حصلت علاقات البلدين على دفعة قوية بتدشين اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي تفتح الباب أمام حقبة جديدة من التعاون المثمر والفعّال بين البلدين في مختلف المجالات.
 
إشارات إيجابية مهمة 
لم تكن حفاوة الاستقبال المتبادلة هي الإشارة الوحيدة الدالة على الرغبة القوية في فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، فبعد الاستقبال الاستثنائي الذي قوبل به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في تركيا في نوفمبر عام 2021، كانت حفاوة الاستقبال الإماراتي بانتظار الرئيس رجب طيب أردوغان في فبراير 2022، حيث كانت إشارات الترحيب بضيف البلاد تزين جميع معالم البلاد، وهو ما دفع الرئيس أردوغان للقول بعد ساعات من مغادرة الإمارات : «لمسنا مودة ومحبة كبيرة طوال فترة زيارتنا إلى الإمارات العربية المتحدة».
 
بالإضافة لما سبق، كان واضحاً منذ استئناف الزيارات والاتصالات المتبادلة بين الجانبين الإماراتي والتركي أن هناك رغبة وحرص وإرادة قوية لطي صفحة الماضي والسعي نحو تعزيز التقارب بأسرع وتيرة ممكنة، ومن ذلك يمكن رصد الرسائل الإيجابية التي حرص الرئيس التركي على التأكيد عليها وتتمحور جميعها حول الأهمية التي يوليها لتطوير العلاقات بين البلدين وعن أهمية هذه العلاقات بالنسبة لبلاده، حيث أكد الرئيس أردوغان في مقال استبق زيارته لأبوظبي في فبراير 2022، ونشرته صحيفة “خليج تايمز” الإماراتية، أن الزيارة تعكس الأهمية التي يوليها لعلاقات الصداقة بين البلدين، معربا عن ترحيبه بتطور هذه العلاقات نحو التعاون، معرباً عن ثقته في أن زيادة مجالات التعاون بين البلدين ستنعكس إيجابا على المنطقة، كما أشار إلى أن تركيا والإمارات تتمتعان بإمكانية التعاون في مناطق مختلفة من العالم لا سيما ما يخص المنطقة القريبة وإفريقيا، وعبر الرئيس أردوغان عن ثقته بأن تركيا والإمارات يمكن أن تساهما بشكل مشترك في السلام والتعاون والازدهار الإقليمي. وشدّد على أن تركيا لا ترى أمن واستقرار دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع الأشقاء في منطقة الخليج منفصلين عن أمنها واستقرارها.
 
وأشاد الرئيس التركي في مقاله بالزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا قبل 3 شهور (نوفمبر 2021)، معربا عن سعادته بتلك الزيارة التي “فتحت صفحة جديدة في العلاقات التركية الإماراتية “، وأشار إلى أن الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة خلال هذه الزيارة تضمنت مؤشرات مهمة حول مستقبل العلاقات بين البلدين. وأكد أن تركيا تهدف إلى تعزيز التعاون مع الإمارات العربية المتحدة في مجالات الطاقة والصحة والزراعة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية والتمويل والسياحة بالإضافة إلى مجالات تغير المناخ والطاقة والمياه والأمن الغذائي. ولفت أردوغان إلى أن الإمارات احتفلت باليوبيل الذهبي لتأسيسها قبل 50 عاما، معربا عن سعادته في المضي قدما بعلاقات البلدين نحو 50 عاما أخرى مبنية على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والثقة. ومن بين الرسائل التركية أيضاً، يمكن الإشارة إلى تصريح للرئيس أرودغان في يناير 2022، قال فيه إن زيارته إلى دولة الإمارات “ستفتح صفحة جديدة” بين البلدين.
 
ثمة شاهد آخر على توافر الإرادة المشتركة للتقارب بين البلدين، وهو الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة بشكل مكثف خلال الفترة القليلة الماضية، ففي خلال هذه الفترة عقدت (3) قمم بين صاحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التركي اثنتان منهما في تركيا والثالثة في أبوظبي، واثنتان من هذه القمم عقدتا في خلال (6) أشهر فقط واحدة في تركيا والثانية في أبوظبي. وهناك أيضاً كم ونوعية الاتفاقات الموقعة بين البلدين منذ بداية التقارب، وهو الأعلى الذي يتم توقيعه بين البلدين خلال تلك الفترة القصيرة في تاريخ العلاقات الثنائية، فخلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لتركيا في نوفمبر 2021، تم عقد قمة إماراتية تركية تم في أعقابها توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات بين البلدين، إلى جانب إعلان الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا. كما تم توقيع 12 اتفاقية للتعاون بين البلدين خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإمارات.
 
والمؤكد أن هذه الإشارات الإيجابية المتبادلة تعكس مدى أهمية كل من البلدين لدى الآخر، فتركيا صاحبة الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، تدرك أهمية التعاون مع الإمارات التي يمتلك اقتصادها مرونة هائلة وقدرة نفاذ عالية للأسواق الاقليمية والدولية، وعلى الجانب الآخر فإن الإمارات تدرك بأن تركيا أحد الفواعل الاقتصاديين المهمين إقليمياً ودولياً، وتدرك كذلك ضرورة التعاون معها في المجالات  التجارية والدفاعية والاستثمار والطاقة والزراعة وغيرها.
 
وقد حصلت العلاقات الثنائية على دفعة نوعية إيجابية من خلال التفاعل الكبير لدولة الإمارات مع ضحايا الزلزال الذي تعرضت له تركيا خلال العام الجاري، حيث عكس الموقف الإماراتي عمق العلاقات بين البلدين، إذ بادرت الإمارات للمشاركة في عمليات الإنقاذ ودعم عمليات التعافي وإعادة التأهيل وتضامنت بشكل قوي للغاية مع الشعب التركي، وأمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بتقديم 50 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا، وأعلنت القوات المسلحة الإماراتية عملية “الفارس الشهم 2” لدعم الأشقاء في تركيا، بمشاركة المؤسسات الإنسانية والإغاثية الإماراتية جميعها، وكان فريق البحث والإنقاذ الإماراتي آخر فريق مصنف دولياً غادر تركيا وذلك بعد إعلان الحكومة التركية عن انتهاء عمليات البحث والإنقاذ، حيث نفذ فريق البحث والإنقاذ التابع  لوزارة الداخلية الإماراتية مهام البحث عن الناجين في ثلاث مناطق هي الأصعب في محافظة كهرمان مرعش منذ حدوث الزلزال، وقد ضم فريق بحث وإنقاذ من شرطة أبوظبي وشرطة دبي بإجمالي 101 شخص وآليات مجهزة بالمعدات الخاصة بإزالة الأنقاض، إضافة لإرسال فريق طبي يضم 75 شخصاً من الأطباء والفنيين المتخصصين مجهز بالمعدات والمستلزمات الطبية.
 
وشهدت المشاركة الإماراتية، إرسال 53 طائرة مساعدات وإغاثة إلى تركيا. كما تضمنت الجهود تجهيز مستشفى ميداني لعلاج المصابين في منطقة إصلاحية بغازي عنتاب بسعة 50 سريراً وإنشاء مستشفى ثان في هاتاي بسعة 200 سرير، كما تم إرسال 840 طناً من المستلزمات الطبية والإغاثية والغذائية، وإرسال 1.732 خيمة لإيواء قرابة 12 ألف من ضحايا الزلزال، وتم تسليم 10 سيارات إسعاف.
 
مصالح مشتركة داعمة
بجانب الزيارات المتبادلة والمباحثات الهاتفية بينها، فقد شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة عقداها عبر تقنية الاتصال المرئي، أوائل مارس الماضي، مراسم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات والجمهورية التركية، وقد باتت هذه الاتفاقية إحدى أبرز قاطرات التعاون الاستراتيجي بين البلدين في المرحلة الراهنة بما تتيح من فرص وما توفر من آفاق واعدة للمستقبل. وتعزز اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين البلدين سلسلة المبادرات المتبادلة والمتواصلة بين البلدين، الهادفة إلى تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات. إذ يؤمن البلدان بأن تعزيز العلاقات الثنائية لن يسهم فقط في الحفاظ على المصالح المشتركة، ولكنه يعزز أيضاً من ازدهار المنطقة وتحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي.
 
ومنذ تدشين العلاقات الثنائية بين البلدين اتسمت جسور الصداقة والتعاون بين دولة الإمارات وتركيا تاريخياً بالرسوخ والتجدد في جميع المجالات، فالروابط الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المشتركة بينهما توفر فرصاً متنوعة واعدة للشركات في البلدين، وتضع أسساً قوية لتسريع التبادل التجاري، وتعزيز التنمية المستدامة.
 
وما سبق، يؤكد أن التقارب الإماراتي ـ التركي يرتكز على مقومات وركائز حقيقية داعمة، والمسألة هنا لا تتوقف عند حد الخطط المعلنة، فالواقع يقول إن حجم التبادل التجاري بين تركيا والإمارات في النصف الأول من عام  2021 قد بلغ أكثر من سبعة مليارات دولار، بنمو بلغ 100٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020، بحسب إحصائيات إماراتية رسمية.
 
وتأتي تركيا في المرتبة الـ 11 بين أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، فيما تمثّل الدولة الخليجية الثرية الشريك التجاري الثاني عشر لتركيا عالميا والشريك التجاري الأكبر لتركيا على مستوى منطقة الخليج. وهناك العديد من الشركات في تركيا مؤسسة برأس مال إماراتي ويعتبر قطاع العقارات على رأس قائمة الاستثمارات الإماراتية في هذا البلد إلى جانب استثمارات كبيرة في قطاع المصارف، وتشغيل الموانئ والقطاع السياحي.
 
كما وقع الجانبان “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة” التي بدورها ستعزز من التجارة بين البلدين عموما والصادرات التركية إلى الإمارات خصوصا، ما سيزيد بالتأكيد حجم التبادل التجاري بين الدولتين.
 
وبحسب بيانات رسمية، فقد نما التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات وتركيا خلال الفترة من 2022-2013 بنسبة 72% إلى 69.58 مليار درهم بنهاية العام الماضي، مقابل 40.5 مليار درهم في عام 2013، وشهد عام 2022 نمواً في التبادل التجاري بين البلدين بلغ 40%، مقابل حجم التجارة المسجل في عام 2021 والبالغ 49.5 مليار درهم.
 
ويشكل الجانب الاقتصادي أحد أبرز ركائز التعاون المتنامي بين البلدين، وتتشابه الإمارات وتركيا في كونهما معبرين ومركزين تجاريين مهمين يربطان بين الشرق والغرب، بموقعهما الجغرافي المميز، إذ تشكل الإمارات بوابة تجارية حيوية للصادرات التركية نحو أسواق الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، فيما تمثل تركيا سوقاً مهمة للمنتجات الإماراتية وبوابة وصولها إلى عدد من الأسواق الأوروبية.
 
مرحلة الشراكة الاقتصادية الشاملة
في الرابع من مارس 2023، وقعت الإمارات وتركيا، اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، بما يسهم في تحفيز التبادل التجاري وزيادة التدفقات الاستثمارية وخلق الفرص المشتركة في القطاعات ذات الأولوية. وتستهدف الاتفاقية إلغاء أو خفض الرسوم الجمركية على 82% من السلع والمنتجات أي ما يفوق 93% من مكونات التجارة البينية غير النفطية.
 
وتسهم الاتفاقية أيضا بشكل فاعل في مضاعفة التجارة البينية غير النفطية من قيمتها الحالية إلى 40 مليار دولار سنوياً في غضون 5 أعوام وتخلق نحو 125 ألف وظيفة جديدة في البلدين بحلول 2031، وفق ما نقلته وكالة أنباء الإمارات “وام».
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ: إن توقيع الشراكة تجسيد للتطور الكبير والنوعي الذي شهدته علاقاتنا خلال الفترة الماضية حيث بلغ إجمالي التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا ما يقارب 19 مليار دولار في عام 2022 بزيادة قدرها 40% عن عام 2021 و112% عن عام 2020. وأشار سموه إلى أن تركيا أصبحت الشريك الأسرع نمواً بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات.
 
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة أن الاتفاقية تعبر عن الإرادة المشتركة لانطلاق مرحلة جديدة للعلاقات بين بلدينا في مختلف المجالات.. كما ستسهم في تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي.. ودفع مسيرة التنمية في البلدين نحو مستقبلٍ مُشرق.
وأوضح أن الاتفاقية لا تستهدف فقط تحفيز التبادل التجاري والاستثماري والنمو الاقتصادي المشترك، لكنها تؤسس أيضاً لشراكة تنموية حقيقية وبناء مصالح مشتركة وتوطيد علاقات إستراتيجية أكثر قوة ومتانة بين البلدين.
 
من جانبه قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: « نكتب اليوم معاً فصلاً جديداً في علاقاتنا مع الإمارات» مشيراً إلى أن الجهود المشتركة للجانبين تستهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية والتي تقوم على تاريخ مشترك.
 
وأضاف أردوغان أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقعها البلدان والمزايا المهمة التي تضمنتها، مثل تحرير السلع الثنائية والخدمات والتجارة مع التركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة وتيسير عمل المستثمرين ووضع قواعد لحماية حقوق الملكية الفكرية وفق أعلى المعايير، سيشكل حافزاً لتعزيز التجارة والاستثمارات. وتابع الرئيس التركي: “سنقطف ثمار هذه الاتفاقية في بلدينا ومنطقتنا خلال فترة زمنية قصيرة مما سيحفز على مزيد من التعاون بين مجتمع الأعمال في كلا البلدين».
 
وصُممت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وتركيا بطريقة تحقق المنفعة المشتركة للطرفين وتعمل على تحفيز النمو الاقتصادي طويل الأمد والمستدام والشامل في كلا البلدين، وتحسن الوصول إلى السوق التركية للمصدرين من دولة الإمارات، بما يشمل القطاعات الرئيسية مثل المقاولات والمعادن ومنتجاتها والبوليمرات والمنتجات التصنيعية الأخرى.
 
وبلغت الصادرات غير النفطية إلى تركيا قيمة 5.6 مليار دولار عام 2022، بزيادة 109% مقارنة بعام 2021، بينما نمت قيمة عمليات إعادة التصدير من دولة الإمارات إلى العالم بنسبة 87% لتصل إلى 2.3 مليار دولار عام 2022.
 
ومن جانبه، أكد معالي عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد أن العلاقات الإماراتية - التركية تشهد مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وتابع المري أن التعاون مع تركيا “يستند إلى رغبة متبادلة من قيادتي البلدين لمواصلة العمل المشترك وتعزيز أوجه التعاون، بما يخدم الرؤى المستقبلية ويحقق الأهداف التنموية للبلدين”. وقال المري: «إن زيارة صاحب السمو رئيس الدولة لتركيا تعطي دفعة قوية لمسار الشراكة القائمة نحو آفاق نمو غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين».
 
وشدد وزير الاقتصاد الإماراتي على أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين نجحت في مواصلة نموها وتطورها خلال السنوات الماضية، على الرغم من مختلف المتغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم». وأرجع المري هذا النجاح إلى “المقومات الاقتصادية الواعدة التي يمتلكها اقتصاد البلدين فضلا عن الموقع الجغرافي والارتباط مع أسواق واعدة في أوروبا وآسيا وأفريقيا». وأردف المري: “مع توقيع البلدين اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، نتطلع إلى مستقبل واعد وغني بالفرص التجارية والاقتصادية والاستثمارية، خاصة في ضوء الخطط التنموية الطموحة التي يتبناها البلدان وتطرح فرصا واعدة في قطاعات ذات أولوية في التجارة والاستثمار والصناعة والسياحة والنقل والطاقة والغذاء والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات الحيوية».
 
ويُتوقع لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وتركيا أن تعطي دفعة قوية للتبادل التجاري بين البلدين، وسط توقعات بأن يتخطى حاجز الأربعين مليار دولار سنويا خلال خمس سنوات. وتشمل الاتفاقية القطاعات الاستراتيجية مثل التكنولوجيا الزراعية والأمن الغذائي والطاقة النظيفة، كما تهدف إلى دفع التعاون المستمر في مشاريع البناء والعقارات. وتتمتع تركيا بأكثر من 3 في المئة من حجم التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات، في حين تجاوز حجم الاستثمارات الإماراتية في تركيا 18.3 مليار درهم (5 مليارات دولار) بنهاية عام 2020، بينما بلغت قيمة الاستثمارات التركية في الإمارات 1.1 مليار درهم (300 مليون دولار) بنهاية 2019، وفق بيانات وكالة “وام” الإماراتية.
 
   وتأتي تركيا في المرتبة الـ 11 بين أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات فيما تمثل الإمارات الشريك التجاري الثاني عشر لتركيا عالميا والشريك التجاري الأكبر لتركيا على مستوى منطقة الخليج العربي.
 
وبلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الإماراتي إلى تركيا نحو 18.4 مليار درهم في نهاية عام 2020، فيما بلغ رصيد الاستثمارات التركية في دولة الإمارات حتى بداية عام 2020 أكثر من 1.3 مليار درهم، وتركز الاستثمارات التركية على قطاعات البناء والتشييد، والعقارات، والقطاع المالي والتأمين، والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات.
 
ويؤكد مسؤولي البلدين إن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات وتركيا تنعكس إيجاباً على منطقة الشرق الأوسط بأكملها وعلى حركة التجارة العالمية بشكل عام، نظراً للدور المهم الذي تلعبه كل من الإمارات وتركيا في تسهيل تدفق التجارة الدولية باعتبارهما اثنين من أهم الاقتصادات حيوية في المنطقة.
 
وبدوره قال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية بدولة الإمارات: «إن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات والجمهورية التركية الصديقة تطلق حقبة جديدة من التعاون البنّاء والنمو المشترك لاقتصادي الدولتين بما يصب في مصلحة الشعبين الصديقين واستقرار وازدهار المنطقة بأكملها». وأضاف الزيودي أنه في ظل مشهد اقتصادي عالمي سريع التطور، تستهدف هذه الاتفاقية خلق المزيد من الفرص المجتمعية للأعمال والقطاع الخاص في الدولتين وفتح مسارات جديدة لمصدري السلع والخدمات إلى أسواق البلدين والمنطقة وتأسيس منصة تعاون وشراكة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال في البلدين.
 
وأضاف أن هذه الاتفاقية ستضع المنطقة في قلب حركة التجارة الدولية وعلى خريطة المراكز الجديدة للنمو العالمي وستعزز جهود الدولتين لمواجهة التحديات الاقتصادية وإطلاق حقبة جديدة من الفرص. وقال الزيودي، إنه لطالما آمنت دولة الإمارات بأن التجارة وسيلة أساسية لتحفيز النمو الاقتصادي وتسريع التنمية الشاملة، وجذب الاستثمار، وزيادة الإنتاجية وتحقيق الازدهار الدائم٫ لذلك، فإن دولة الإمارات وترجمة لرؤية وتوجهات القيادة الرشيدة تشهد العلاقات التجارية الإماراتية التركية ازدهاراً مستمراً، ففي العام الماضي، زاد حجم التجارة البينية غير النفطية بنسبة 40% ليصل إلى 18.9 مليار دولار، لتكون تركيا الأسرع نمواً بين أهم عشرة شركاء تجاريين لدولة الإمارات، ولتقفز إلى المركز السادس في القائمة.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-08-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-11-02
2014-03-16
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره