مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-06-01

الإمــارات وفرنسا: شراكة استراتيجية متطورة

في ضوء زيارة صاحب السمو رئيس الدولة لباريس:
 
خلال زيارة رسمية قام بها في مايو الماضي إلى فرنسا، التي سبق أن وصفها بأنها «الصديق والحليف الاستراتيجي»، التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ الرئيس ايمانويل ماكرون، حيث بحثا سبل تعزيز علاقات الصداقة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على تطور الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية، واستعراض أهم الركائز التي تستند إليها.
 
إعداد: هيئة التحرير
في الحادي عشر من مايو 2023، كانت العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية على موعد مع نقلة نوعية جديدة أنتجتها زيارة العمل التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى فرنسا، حيث التقى الرئيس ايمانويل ماكرون، وعقدا محادثات استهدفت تعزيز التعاون الاستراتيجي ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين الصديقين، اللذين يمتلكان رؤى متقاربة حيال معظم القضايا الإقليمية والدولية الراهنة.
 
ركائز أساسية للشراكة
في محاولة لفهم التطور المستمر في مستوى التعاون الاستراتيجي بين دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية، والذي تعكسه المؤشرات الاحصائية، وكذلك الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين في توقيتات زمنية متقاربة نسبياً، يمكن الإشارة إلى عوامل عدة في هذا الشأن منها:
 
دعم ومتابعة وتوجيهات قيادة البلدين ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وايمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، ما أسهم في الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في كافة المجالات، حيث تعد الزيارة الأخيرة هي الثانية التي يقوم بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى باريس منذ توليه منصبه رسمياً في مايو 2022، حيث تمت الزيارة الأولى (زيارة دولة) في يوليو من العام الماضي، والتي شهدت احتفاء فرنسياً رسمياً استثنائياً بزيارة سموه، عبر ترتيب حفلات استقبال لها مؤشر احتفائي ملحوظ على مدى ثلاثة أيام في أعرق ثلاثة قصور رئاسية فرنسية، هي قصر الإليزيه (مقر رئاسة الجمهورية) وقصر ماتينيون (مقرّ الحكومة) وقصر الانفاليد الأثري، ناهيك عن قصر فرساي وقوس النصر، ومقر الجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الشيوخ. ومن نافلة القول أن ما يعرف بكيمياء العلاقات الشخصية تلعب دوراً حيوياً في العلاقات الدولية، وهنا يمكن الإشارة إلى روابط الصداقة الشخصية القوية التي تجمع قيادتي البلدين، ما يسهم في إيجاد جو من التفاهم ويعزز فرص بناء مواقف مشتركة حيال مختلف الملفات والقضايا، ناهيك عن تأثير هذا العامل المهم في إضافة زخم عميق للتعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.
 
وفي ذلك يمكن الإشارة إلى مقال نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية بمناسبة زيارة صاحب السمو رئيس الدولة لباريس في يوليو 2022، وصفت فيه العلاقة بين البلدين بأنها قوية ولا مثيل لها، وأوضح المقال -الذي كتبه الصحفيان بنيامين بارت وفيليب ريكارد- أن الشراكة القوية بين فرنسا والإمارات، التي بدأت في السبعينيات في عهد مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، اتخذت في فترة الولاية الأولى للرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون بُعدا لم يسبق له مثيل، وقال الكاتبان إن الإمارات في عهد ماكرون لم تصبح عميلا رائداً للصناعة الفرنسية -ولا سيما العسكرية- فحسب، بل أصبحت كذلك ركيزة عمل فرنسا في العالم العربي والإسلامي.
 
ولا خلاف على أن وجود قدر عال من التفاهم والتقاء وجهات النظر بين القادة السياسيين يسهم كثيراً في تقارب الدول، حيث تلعب الكيمياء الشخصية دوراً مؤثراً على الأقل في تسريع وتيرة التقارب وإزالة أي رواسب أو التخلص من أي عراقيل تحول دون بلوغ علاقات البلدين مستويات التحالف والشراكة الاستراتيجية. وفي هذا الصدد، فإن العلاقات الشخصية القوية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تمثل هذه العلاقات ركيزة قوية لعلاقات الشراكة بين البلدين. وقد أضفى التعاون والتشاور المستمر بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس ماكرون منذ تولي الأخير منصبه في عام 2017، عمقاً متزايداً على العلاقات الثنائية، حيث تعاونت الامارات وفرنسا في معالجة العديد من الأزمات الاقليمية بمنطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك في منح ماكرون صاحب السمو رئيس الدولة شارة الصليب الأكبر من وسام جوقة الشرف الوطني، وقدم لسموه هدية عبارة عن نسخة تعود إلى عام 1535 لخريطة عالم الجغرافيا الألماني لورنز فرايز لشبه الجزيرة العربية. وفي المقابل، منح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ نظيره الفرنسي “وسام زايد”، وهو أعلى وسام مدني في دولة الإمارات يقدم للرؤساء والملوك، وهو أعلى وسام مدني في دولة الإمارات يمنح للرؤساء والملوك الذين أسهموا بأدوار بارزة في خدمة علاقات البلدين وازدهارها.
 
تستند العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية على ركائز تقليدية قوية منها ماهو تاريخي، حيث تعود العلاقات لما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات بعمل شركة “توتال” في التنقيب عن النفط، وحينما قام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 تأسست العلاقات الثنائية الرسمية بين الدولتين، حيث أرسى المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان لبنات قوية لعلاقات صداقة متينة بين البلدين، وتعززت هذه العلاقات بعد الزيارة الأولى للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد لفرنسا في العام 1975، والتي كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ حاضراً فيها برفقة والده ـ طيب الله ثراه ـ وكانت فرنسا قد بادرت قبلها بتعيين أول سفير لها لدى دولة الإمارات بول كارتون بتاريخ 19 أبريل 1972، وكان في الوقت نفسه سفيراً لدى الكويت، كما عينت دولة الإمارات في الفترة نفسها أول سفير لها لدى فرنسا، مهدي التاجر، والذي كان في الوقت نفسه سفيراً لدى المملكة المتحدة. ومن هذه الركائز ماهو اقتصادي، حيث تخطى حجم التجارة غير النفطية بين البلدين 25.2 مليار درهم في عام 2021، كما سجلت التجارة البينية 44,29 مليار درهم في عام 2022 بزيادة نسبتها 17% مقارنة بعام 2021، وبنمو قياسي بلغ 49% مقارنةً بعام 2020، وبزيادة 6% مقارنةً بعام 2019 وهو ما يؤكد الاتجاه الصاعد للتدفقات التجارية بين البلدين الصديقين طوال السنوات الماضية، وذلك على الرغم من التراجع النسبي في حركة التجارة الدولية خلال بعض هذه السنوات.
 
وقد انعكست قوة العلاقات الثنائية بين البلدين على الروابط الاقتصادية والتجارية والتي باتت أكثر متانة وقوة، حيث تستضيف دولة الإمارات أكبر عدد من المؤسسات الفرنسية العاملة في منطقة الشرق الأوسط والتي تقدر بنحو 600 شركة، يعمل فيها أكثر من 30 ألف موظف، أضف إلى ذلك ماتشهده الشراكة التجارية والاستثمارية بين البلدين من تطورات إيجابية ملحوظة بفضل العلاقات الوطيدة التي تربط قيادتي البلدين، حيث تعد فرنسا رابع أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات من بين دول الاتحاد الأوروبي، وتأتي في المركز الرابع في عمليات إعادة التصدير، والمركز السادس في استقبال الصادرات الإماراتية غير النفطية والمرتبة الثالثة بين أكبر دول الاتحاد الأوروبي مصدراً للواردات الإماراتي. كما تعد فرنسا تعد أكبر مستثمر في الإمارات من بين دول الاتحاد الأوروبي بإجمالي استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 4.4 مليارات دولار بنهاية 2020، وبحصة تبلغ 20% من إجمالي استثمارات الاتحاد الأوروبي في الدولة، فيما بلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية في فرنسا 3.3 مليارات دولار بنهاية 2021.
 
وهناك أيضاً البعد الثقافي في العلاقات، وهو بعد حيوي للغاية، حيث أثمرت الشراكة في هذا المجال عن افتتاح متحف اللوفر أبوظبي في نوفمبر 2017 ، وهو أول متحف دولي في العالم العربي ، وأكبر مشروع ثقافي خارجي لفرنسا، وقبل ذلك تأسيس جامعة السوربون أبوظبي في عام 2006 بعد اتفاقية بين جامعة السوربون في باريس وحكومة أبوظبي. وهناك أيضاً البعد التعليمي في التعاون الإماراتي ـ الفرنسي،  حيث توجد سبع مدارس ثانوية فرنسية في الإمارات العربية المتحدة، وتشكل سادس أكبر شبكة من المدارس الفرنسية في العالم من حيث الالتحاق بوجود أكثر من 10000 طالب. وفي عام 2018 ، تم تنفيذ المرحلة التجريبية لبرنامج اللغة الفرنسية في جميع المدارس الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة. يوجد الآن أكثر من 60.000 طالب يتعلمون اللغة الفرنسية في المدارس العامة والخاصة في جميع أنحاء البلاد. كما تعد فرنسا البلد المصنف في المرتبة الرابعة لاستقبال الطلبة الإماراتيين الدارسين فيها، فضلاً عن ذلك تضم الإمارات العديد من المنظمات المجتمعية والمدارس والمطاعم والأكاديميات الفرنسية في جميع أنحاء الدولة، ويمكن لمواطني دولة الإمارات دخول فرنسا بدون تأشيرة، ويسمح لهم بالبقاء فيها لمدة تصل إلى 3 أشهر.
 
يمثل التفاهم المشترك أحد أبرز عوامل تطور العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية، فهناك التقاء على أساس الاحترام المتبادل ووجهات النظر المشتركة، وهناك توافق حول مكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز التسامح والتعايش والإسهام الفعّال في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين. وقد عزز من دور هذه المشتركات الإعتماد على المؤسسية في تطوير آليات للتعاون، حيث أسهم الحوار الاستراتيجي الإماراتي ـ الفرنسي الذي انطلق في عام 2008، في تحديد الفرص واوجه التعاون الممكنة والمستقبلية وتحديد سبل استدامتها، ولاسيما في المجالات ذات الأولوية مثل الاقتصاد والتجارة والنفط والغاز والطاقة النووية والمتجددة والصحة والفضاء والأمن والتعليم والثقافة. وقد اعتمد الجانبان خارطة طريق طموحة لشراكة استراتيجية تمتد للفترة من 2020 ـ2030، وأضافا إلى الأولويات السابقة مجالات أخرى مثل الهيدروجين الأخضر والغاز والتغير المناخي، والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والتكنولوجيا المالية وحقوق الملكية الفكرية ومكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والأمن السيبراني.
 
الاحترام المتبادل، الذي يمثل أساساً قوياً ضامناً لتطور العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية، فعلى سبيل المثال لا يمتلك الجانبين الموقف نفسه حيال الأزمة الأوكرانية، ومع ذلك لم يؤثر هذا التباين في المواقف حيال أزمة دولية كبرى كهذه في علاقات البلدين، فمن المعروف أن الإمارات وفرنسا ليسا على الخط نفسه؛ فماكرون يدعم أوكرانيا ويأمل في التوصل إلى حل تفاوضي مع روسيا بمجرد انحسار حدة القتال، في حين لا تقف الإمارات في المربع ذاته، حيث تتبنى موقفاً محايداً يدعم الدفع باتجاه حل الازمة سلمياً، وامتنعت في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن إدانة السلوك الروسي حفاظاً على الحياد والتوازن. ويتمتع الجانبين الاماراتي والفرنسي بمرونة وديناميكية واضحة في فهم وإدارة القضايا الخلافية بين البلدين، وهي مسألة لا تتوافر في ملفات أخرى من العلاقات الدولية.
 
الاقتصاد والتجارة البينية 
كما أسلفنا، فإن الاقتصاد والتجارة البينية يمثلان أحد تجليات تطور العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وفرنسا، فبقدر مايمثلان نتاجاً لهذا التطور، يمثلان كذلك رافعة استراتيجية له، وفي هذا الإطار تشير بيانات التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة من 2013-2022، إلى نمو التبادل في عام 2014 إلى 27.4 مليار درهم، مقابل 24.58 مليار درهم في عام 2013. وسجل عام 2015 معدل تبادل بين الجانبين بلغ 26.4 مليار درهم ليرتفع في عام 2016 إلى 27.1 مليار درهم، وما قيمته 26.8 مليار درهم في عام 2017، وما يقارب 28 مليار درهم في عام 2018، وأكثر من 27.6 مليار درهم في عام 2019.  وأفادت بيانات التقرير تصدر سلع حلي ومجوهرات من معادن ثمينة قائمة أهم 5 سلع تم استيرادها من فرنسا خلال عام 2022، بقيمة 2.96 مليار درهم، وتلاها سلع محركات نفاثة بقيمة 2.58 مليار درهم، وعطور بقيمة 2.1 مليار درهم وأدوية بقيمة 1.4 مليار درهم، وحقائب بقيمة 1.3 مليار درهم. وفي بند إعادة التصدير، تصدرت سلع أجزاء مركبات جوية القائمة بقيمة 1.1 مليار درهم، وتلاها سلع حلي ومجوهرات من معادن ثمينة بقيمة 421 مليون درهم، ومحركات نفاثة بقيمة تجاوز 200 مليون درهم، وسيارات بقيمة 146 مليون درهم، وعطور بقيمة 128 مليون درهم، فيما تصدرت سلع زجاجات التعليب بند الصادرات الإماراتية بقيمة 88 مليون درهم.
 
عمق تاريخي
تمتلك العلاقات الاماراتية ـ الفرنسية عمق تاريخي كبير، ولها جذور تسبق حتى تأسيس دولة اتحاد الإمارات، فبعض الشركات الفرنسية مثل “توتال” كانت موجودة في هذه المنطقة قبل ذلك بكثير، تحت اسم “الشركة الفرنسية للبترول» (CFP)، ثم توطدت علاقات البلدين منذ بداية تأسيس اتحاد دولة الإمارات على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ واتسمت العلاقات منذ بدايتها بالاحترام المتبادل والتعاون على أساس المصالح المشتركة، ولم تشهد أي أزمات أو توترات عابرة منذ بدايتها، ما يجعلها نموذجاً في علاقات الصداقة القائمة على التفاهم والاحترام المتبادل. وتشير التقارير الفرنسية إلى أن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك كان ينظر بتقدير خاص لمؤسس دولة الإمارات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ كما أكد قصر الإليزيه أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لباريس في يوليو 2022، كانت ثاني زيارة دولة إماراتية لفرنسا بعد زيارة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد لفرنسا عام 1991، في ظل رئاسة الراحل فرانسوا ميتران.
 
وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء حضوره افتتاح متحف “لوفر أبوظبي”، أكد في كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة أن كل من فرنسا والإمارات شركاء في تعزيز روح التسامح والمساواة بين الشعوب وتعملان معاً من أجل تعزيز مفهوم التقارب الثقافي والإنساني بين مختلف الحضارات. كما أشاد الرئيس الفرنسي بكلمة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،رعاه الله، في تلك المناسبة، والتي تطرق فيها إلى الأبعاد الثقافية والإنسانية وعناصر الابتكار والإبداع من أجل إسعاد البشرية ونبذ الحروب والصراعات والتطرف والارهاب. ومن الواضح أن أحد دعائم العلاقات الثنائية يأتي تبني الدولتين التوجهات ذاتها في محاربة التشدد والتطرف والإرهاب، وهذا ما اشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كلمته خلال افتتاح متحف اللوفر، حيث قال إن “فرنسا شريكنا الثقافي والحضاري، نشاركهم الانفتاح والتسامح والروابط الاقتصادية والسياسية العميقة». وما يضيف لهذه العلاقات الاستراتيجية قوة ومتانة أنها تتسع لتشمل قطاعات مختلفة تتكامل فيما بينها لتصنع نموذجاً في العلاقات الدولية، حيث شهدت العلاقات الاماراتية ـ الفرنسية في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في مختلف القطاعات الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثمارات والطاقة المتجددة والنووية والنفطية والدفاع والأمن والتربية والثقافة. 
 
ملف التغير المناخي في العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية
يحتل ملف التغير المناخي اولوية محورية على جدول أعمال النقاشات الإماراتية ـ الفرنسية خلال المرحلة الراهنة، وتشكّل العلاقات الإماراتية الفرنسية نموذجاً استثنائياً للشراكات الاستراتيجية الفاعلة بين الدول على صعيد الانتقال الواقعي في قطاع الطاقة والعمل المناخي، والاستفادة من فرص النمو منخفضة الكربون، والعمل المشترك في دفع الجهود الدولية في مجال العمل المناخي، استعداداً لمؤتمر الأطراف COP28 الذي تستضيفه الإمارات في نهاية العام الجاري. وقد أطلق البلدان في فبراير 2023 شراكة لخفض انبعاثات الكربون من الصناعات كثيفة الانبعاثات، وسيعلن عنها خلال مؤتمر الأطراف COP28، بينما وقّع البلدان في يوليو 2022 الشراكة الاستراتيجية الشاملة في مجال الطاقة التي تركّز على تعزيز أمن الطاقة، وتوفيرها بتكاليف معقولة، والحد من الانبعاثات. وتكتسب الدورة الـ28 من مؤتمر الأطراف COP28 أهمية كبيرة في تحقيق أهداف “اتفاق باريس للمناخ”، كونها تنعقد خلال مرحلة دقيقة يسعى فيها المجتمع الدولي إلى إحراز تقدّم في تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها في الاتفاق. ومن المقرر أن يشهد مؤتمر الأطراف القادم في الإمارات أول تقييم عالمي لمدى تقدّم الدول في تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق باريس، إضافة إلى تحديد إسهامات الدول المحددة وطنياً للمستقبل، حيث نجح اتفاق باريس التاريخي في توحيد الحكومات حول ما يجب على العالم القيام به لمواجهة تحدي المناخ، وستكون مهمة مؤتمر الأطراف COP28، التركيز على كيفية تنفيذ ذلك.
 
وتعد الإمارات أول دولة في المنطقة توقّع وتصادق على اتفاق باريس، وأول دولة تلتزم بخفض الانبعاثات على مستوى جميع القطاعات الاقتصادية، كما أنها تعد الدولة الأولى التي تعلن مبادرتها الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 كمحفز لتحقيق نمو اقتصادي منخفض الكربون، يخلق تقنيات وقطاعات ومهارات ووظائف جديدة.
 
وتحرص دولة الإمارات على التعاون مع فرنسا خلال “قمة الميثاق المالي العالمي الجديد” المخصصة للتوصل إلى اتفاق مالي عالمي جديد المقرر عقدها في باريس في يونيو 2023، بهدف حشد التمويل من القطاع الخاص، وتوسيع نطاق التمويل الميسر، والنهوض بأسواق الكربون سعياً إلى بناء الزخم الذي ستحققه القمة، لتحقيق إنجازات عملية في مؤتمر الأطراف COP28.
وخلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، للجمهورية الفرنسية العام الماضي، وقّعت الإمارات وفرنسا اتفاقية بهدف تعزيز الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للعمل المناخي، ورفع الطموحات لتنفيذ اتفاق باريس، إضافة إلى دعم الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 التي تستضيفها الإمارات في نهاية العام الجاري في مدينة إكسبو دبي.
 
وتحرص دولة الإمارات بصفتها الدولة المضيفة لمؤتمر الأطرافCOP28، على التعاون والعمل عن قرب مع فرنسا التي تمتلك خبرة كبيرة في العمل المناخي، لضمان ترجمة التعهّدات إلى نتائج عملية ملموسة تعود بالفائدة على جميع الدول والمجتمعات، حيث تدرك دولة الإمارات أن العمل المناخي الفعال يُعد ممكّناً رئيساً لبناء نموذج نمو اقتصادي منخفض الانبعاثات، يركز على تحقيق الاستدامة ويسهم في خلق فرص عمل وقطاعات ومهارات جديدة تواكب المستقبل.
 
ويتعاون البلدان في التحضير لمؤتمر الأطراف COP28، بما يشمل جوانب التخطيط المسبق للمفاوضات والجوانب التنظيمية واللوجستية، وتعزيز كفاءة الطاقة وتسريع انتشار حلول توليد الطاقة المتجددة ودمجها وتخزينها، من خلال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) التي تستضيف الإمارات مقرّها الدائم.
 
كما تتعاون الإمارات وفرنسا في مجالات الزراعة المستدامة وصناعة الأغذية الزراعية والأمن الغذائي والمائي، بهدف تحقيق الاستفادة المشتركة من حلول تخفيف حدة التأثيرات البيئية، والتكيّف مع تداعيات تغير المناخ والمحافظة على التنوع البيولوجي، إضافة إلى الحد من انبعاثات الكربون في قطاع الصناعات الثقيلة، وتعزيز التكيف والمرونة وتطوير حلول قائمة على الطبيعة والتمويل والاستثمار الأخضر، وتمكين المجتمع المدني في مجالات العمل المناخي والتعاون العلمي والبحثي. وتعد دولة الإمارات شريكاً ثابتاً للصناعات الفرنسية لتحقيق طموحاتها في مجال التحوّل في قطاع الطاقة، كما أطلق الجانبان الإماراتي والفرنسي برنامجاً مشتركاً يجمع خبرات الدولتين لتطوير فرص تجارية مستدامة للاستثمار، بهدف تسريع حلول الطاقة النظيفة لا سيما في مجال إزالة الكربون من القطاعات التي يصعب فيها الحدّ من الانبعاثات، والتي تشمل استخدام حلول الهيدروجين النظيفة في مجال التنقل، في ضوء التحضيرات لاستضافة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف COP28.
 
وأسهمت الشراكة الإماراتية والفرنسية في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، من خلال الشركات الرائدة العاملة في هذا القطاع من كلا البلدين في تطوير واستثمار وتشغيل أكثر من 6.2 جيجاواط من مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة حول العالم، من بينها مشروعان في دولة الإمارات يعدّان من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، إضافة إلى استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار، والمساهمة في تجنب إطلاق انبعاثات كربونية تُقدّر بنحو 10 ملايين طن سنوياً. ومن المقرر أن يتم الإطلاق الرسمي لعمليات البرنامج التشغيلي خلال الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28). ويهدف البرنامج إلى تجسيد التزام الإمارات وفرنسا المشترك بتسريع عملية تحديد وتمويل المشاريع، ودعم الشركات المساهمة في تطوير حلول جديدة للطاقة النظيفة، والعمل على خفض البصمة الكربونية للقطاعات الاقتصادية ذات المنتجات والعمليات التشغيلية عالية الانبعاثات والإسهام في دعم تحقيق أهداف اتفاقية باريس.
 
وتنظر الإمارات إلى قمة المناخ COP28  باهتمام بالغ، نظراً لحساسية الموضوع على اجندة النقاش والعمل الجماعي الدولي، فضلاً عن كونه أول مؤتمر يهدف إلى تحقيق الأهداف الرئيسية لاتفاق باريس 2015، وليس من باب المصادفة اختيار الإمارات لانعقاد هذا المؤتمر، حيث تعد شريكاً مثالياً لاستضافته بما تمتلك من خبرات وقدرات تنظيمية هائلة لاستضافة وإنجاح الفعاليات الدولية الكبرى، حيث يعد نجاح معرض إكسبو دبي العالمي العام الماضي أحد أحدث الأمثلة على ذلك.
 
مؤشرات نوعية مهمة
تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر جالية فرنسية في بلدان الخليج العربي، وتضمّ أكثر من 25 ألف فرنسي مسجّلين في سجل الفرنسيين المقيمين في الخارج. 
تشكل المدارس الثانوية الفرنسية السبع المعتمدة في الإمارات العربية المتحدة سادس أكبر شبكة مدارس فرنسية في العالم من حيث عدد الطلاب، وتضم أكثر من 10 آلاف. بالاضافة إلى جامعة السوربون أبوظبي وإنسياد، وباريس 2، وإيكول 42 أبوظبي  وهي مؤسسات فرنسية لها فروع في الإمارات العربية المتحدة. وتم تنفيذ برنامج المرحلة التجريبية لإدخال اللغة الفرنسية في جميع المدارس الحكومية في الإمارات في عام 2018.. والآن يتعلم أكثر من 60 ألف تلميذ اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية والخاصة في الإمارات، ويشكلون 12% من مجموع طلبة المدارس. 
تأتي فرنسا في المرتبة الرابعة من حيث استقبال الطلبة الإماراتيين للدراسة في جامعاتها ومعاهدها. 
 
تضم دولة الإمارات العديد من المنظمات المجتمعية والمدارس والمطاعم والأكاديميات الفرنسية في جميع أنحاء الدولة. 
 
يمكن لمواطني دولة الإمارات دخول فرنسا بدون تأشيرة ويسمح لهم بالبقاء فيها لمدة تصل إلى 3 أشهر.
 
في 8 نوفمبر 2017، شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي والذي تجاوزت تكلفته مليار دولار، وقد وصفه الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه “جسر بين الحضارات”، واستعانت الإمارات بالمهندس الفرنسي جان نوفيل لتصميم لوفر أبوظبي. وتم افتتاح متحف اللوفر أبوظبي، الذي يعد أول متحف عالمي في العالم العربي، وأكبر مشروع ثقافي تروج له فرنسا في الخارج، مع مجموعة فنية تغطي جميع الحضارات والفترات، من العصر الحجري إلى العصر الحديث، ما يجعله رمزا للانفتاح على العالم ونشر التسامح. كما يعد مشروعاً ثنائياً استثنائياً من حيث هندسته المعمارية ومشروعه العلمي والثقافي، وله أهمية استراتيجية بالنسبة لفرنسا والإمارات.
 
تأسست جامعة باريس - السوربون أبوظبي عام 2006، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة  ـ حفظه الله ـ كجزء من رؤية الإمارة لتعزيز القطاع الأكاديمي والثقافي، وهي جزء من استراتيجية “رؤية أبوظبي 2030”. وتهدف الجامعة إلى الإسهام في تعزيز فرص التعليم العالي وتنوعها في الإمارات ودول مجلس التعاون ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام. 
جرى في أكتوبر 2018، الإعلان عن عام التعاون الثقافي الإماراتي الفرنسي في باريس.ونتيجة لذلك، تم إطلاق إذاعة باللغة الفرنسية في دولة الإمارات تبث برامجها بمعدل 3 مرات في الأسبوع، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، أصبحت دولة الإمارات عضواً منتسباً في المنظمة الدولية للفرنكوفونية.
 
ألقت الآثار المكتشفة من قبل البعثات الفرنسية منذ عام 1997 الضوء على أهمية تاريخ الإمارات، باعتبارها مركز الطرق التجارية عبر التاريخ الممتد منذ 7500 سنة، ويعكس ذلك بالضرورة مشروعاً ثقافياً وعلمياً طموحاً في مجال فهم التاريخ الإماراتي، وهو تاريخ حافل بعصور من الحضارات المتواكبة وإنجازات وإبداع الإنساني حتى وقتنا هذا.
 
في 3 ديسمبر 2021، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إكسبو 2020 دبي وأشاد بالتنظيم الناجح للحدث العالمي الضخم على الرغم من التحديات التي مر بها العالم بسبب كوفيد- 19.
أقر البلدان في عام 2020، خلال الحوار الاستراتيجي الإماراتي الفرنسي السنوي، خارطة الطريق للعقد الحالي 2020-2030 من خلال تحديد الطموحات والمبادرات المشتركة، لا سيما في القطاعات الرئيسية للتعاون الثنائي، مثل (الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والنفط والغاز والطاقة النووية والمتجددة والتعليم والثقافة والصحة والفضاء والأمن.
 
وقع البلدين في يوليو عام 2022 اتفاق الشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة، الذي يمثل استشرافاً مهماً للمستقبل، حيث يهدف إلى «تعزيز أمن الطاقة وتوفيرها بتكاليف مقبولة والحد من الانبعاثات إضافة إلى دفع العمل المناخي الفاعل استعداداً للدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف COP28 التي تعقد في دولة الإمارات عام 2023»، وتستند الاتفاقية على “العلاقات الثنائية الوثيقة والراسخة والشراكات طويلة الأمد بين دولة الإمارات وفرنسا، وتستفيد من مكانة دولة الإمارات الرائدة عالمياً مورداً مسؤولا وموثوقاً للطاقة، حيث تمتلك الدولة سادس أكبر احتياطي نفطي في العالم وتلتزم بالمساهمة في ضمان أمن الطاقة العالمي”، وحيث تتبنى الامارات نهجاً متوازناً لمواكبة التحول في الطاقة يستند على رفع طاقتها الإنتاجية من النفط الخام إلى 5 ملايين برميل يومياً، وزيادة القدرة الإنتاجية لمحفظة مشاريعها العالمية للطاقة المتجددة من 23 غيغاواط إلى أكثر من 100 غيغاواط بحلول 2030.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره