استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
بعد نحو شهر من زيارة العمل التي قامت بها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى أبو ظبي للمشاركة في «أسبوع أبوظبي للاستدامة»، في يناير 2025، حيث استقبلها، وقتذاك، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ، وتم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون، بما في ذلك صفقة طاقة ثلاثية تشمل ألبانيا، وفيما يشير إلى قوة دفع متجددة في العلاقات بين الإمارات وإيطاليا، وبعد أيام من استقبال سموه جويدو كروسيتو وزير دفاع الجمهورية الإيطالية على هامش فعاليات معرض الدفاع الدولي «آيدكس 2025» في أبوظبي، حيث بحث الجانبان علاقات التعاون بين البلدين في المجالات الدفاعية، جاءت «زيارة الدولة» التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لجمهورية ايطاليا خلال شهر فبراير 2025 كـ «علامة فارقة» في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقد وصف سفير إيطاليا في دولة الإمارات لورينزو فانارا هذه الزيارة أنها تكتسب أهميتها من كونها «زيارة الدولة» الأولى التي يقوم بها رئيس إماراتي إلى إيطاليا، ما منح هذه الزيارة أهمية استثنائية لاسيما أن مخرجاتها جاءت ثرية من حيث الاتفاقات والتفاهمات التي تمت بين البلدين، حيث تم توقيع أكثر من 40 اتفاقية ثنائية، تضمنت شراكات استراتيجية في مجالات بالغة الحيوية مثل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، حيث تم توقيع خطاب نوايا بين شركتيMGX وG42 الإماراتيتين وشركة إينيENI الايطالية لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، في دلالة واضحة على توافق الرؤى البلدين للاستفادة من قدراتهما في تعزيز قطاع الابتكار التكنولوجي. كما شهدت الزيارة كذلك توقيع اتفاقية ثلاثية بين الإمارات وايطاليا وألبانيا للتعاون في مشروعات الطاقة النظيفة بما يعكس التزام الإمارات ببناء شراكات دولية تسهم في تعزيز تحولها نحو الطاقة المستدامة والحد من الانبعاثات الكربونية، وتؤكد توافق الرؤى حول العمل من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة للبشري.
وبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وميلوني، مختلف مسارات التعاون بين دولة الإمارات وإيطاليا في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين. واستعرض الجانبان، خلال اللقاء، التطور المستمر الذي تشهده علاقات البلدين خاصة في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والاستدامة إضافة إلى الجوانب الثقافية في ظل شراكتهما الاستراتيجية التي تعد إطاراً مهماً لدفع علاقاتهما التنموية إلى الأمام وتحقيق تطلعات شعبيهما. وقال سموه في هذا السياق، إن حجم التجارة غير النفطية بين البلدين وصل إلى 14.1 مليار دولار خلال عام 2024 بزيادة 21.2% مقارنة بعام 2023، ومن خلال تعزيز العمل المشترك ستستمر الزيادة في التبادل التجاري بين البلدين. وأشار سموه إلى اهتمام الإمارات وإيطاليا بالتعاون في مجال الاستدامة والطاقة المتجددة إضافة إلى الذكاء الاصطناعي والابتكار، منوها بالبعد الثقافي للعلاقات الإماراتية -الإيطالية والحرص على تعزيز جسور التفاعل والتعاون الثقافي بين البلدين وشعبيهما. وقال: «نتطلع إلى أن يسهم الاستثمار الإماراتي في إيطاليا بقيمة 40 مليار دولار الذي أعلن عنه في تحقيق التنمية والازدهار للبلدين وشعبيهما وفي لفتة رمزية تعبّر عن التعايش الثقافي والتسامح، قدّم الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا خلال الزيارة هدية إلى صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، تمثلت في عملة معدنية تاريخية تُعرف باسم «تاري»، يعود تاريخها إلى ألف عام، وكانت متداولة في صقلية كرمز للتعايش بين الثقافات المسيحية والإسلامية قبل ألف عام، في دلالة رمزية تجسد توافق البلدين على أهمية نشر قيم التسامح والتعايش.
وكانت رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني قد لعبت دوراً رئيسياً في إعادة علاقات البلدين إلى مسارها الطبيعي خلال زيارتها إلى الإمارات في مارس 2023 نقطة تحول، حيث أعادت الحوار السياسي والاقتصادي رفيع المستوى بعد فترة خلاف قصيرة في وجهات النظر بين البلدين. وبعد ذلك عززت زيارة الدولة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إيطاليا العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا، وخلال مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، أعرب الزعيمان عن التزامهما بتعزيز التعاون الثنائي في مختلف القطاعات.
زيارات متبادلة ودلالات حيوية
«زيارة الدولة» التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لإيطاليا في فبراير الماضي، هي الأرفع بروتوكولياً في مسيرة الزيارات المتبادلة بين الجانبين، وهي الثالثة التي يقوم بها سموه إلى إيطاليا منذ توليه مهام منصبه في 14 مايو 2022، فيما أجرت جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، أيضًا 3 زيارات لدولة الإمارات منذ توليها مهام منصبها في أكتوبر 2022، أحدثها كانت في يناير 2025. وقد شهدت هذه الزيارات المتبادلة انعقاد 6 قمم ولقاءات بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومعالي جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، أولها كان في أبوظبي في مارس 2023، وتم خلالها إعلان البلدين الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، وبعدها عقدت 4 قمم ولقاءات في يوليو وديسمبر 2023، ويونيو 2024، ويناير 2025، فيما عقدت القمة السادسة في فبراير 2025 خلال «زيارة دولة» التي قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إيطاليا. وتأتي «زيارة الدولة»، التي تعد أرفع أنواع الزيارات الرسمية، بعد نحو شهر من زيارة ميلوني لدولة الإمارات، تم خلالها توقيع دولة الإمارات وإيطاليا وألبانيا اتفاقية شراكة إطارية ثلاثية للتعاون في مشاريع الطاقة النظيفة.
وقد عقدت أول قمة جمعت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومعالي جورجيا ميلوني، خلال أول زيارة لمعاليها لأبوظبي 4 مارس 2023، بعد 5 شهور فقط من توليها مهام منصبها في أكتوبر 2022 . وخلال تلك القمة، أعلنت دولة الإمارات، والجمهورية الإيطالية، الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية، كما شهدت القمة توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين لتعزيز التعاون بينهما في مجالات عدة. وبحث الجانبان خلال اللقاء مسارات التعاون والفرص المطروحة لبناء شراكة استراتيجية بين البلدين خلال المرحلة المقبلة خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية إضافة إلى أمن الطاقة والطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، والتنمية المستدامة إضافة إلى التصدي لتداعيات التغير المناخي، والأمن الغذائي، والصناعة والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها من الجوانب التي يوليها البلدان اهتماماً مشتركاً. واتفق الجانبان على «تعزيز الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين تجسيداً لعزمهما المشترك والقوي للتعاون على جميع المستويات».
وبعد ذلك التقى صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله، في 15 يناير الماضي، جورجيا ميلوني، خلال قيامها بزيارة عمل إلى دولة الإمارات للمشاركة في فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة 2025»، حيث رحب سموه بضيفة البلاد، وشكرها على حرصها على المشاركة في فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة»، مؤكدًا اهتمام دولة الإمارات بتعزيز علاقات التعاون مع دول العالم، وبناء شراكات تنموية تحقق المصالح المشتركة للجميع، وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية، والعمل المشترك على توسيع آفاقها في المجالات المختلفة، خاصة الاقتصادية والاستثمارية والاستدامة.
وجاءت زيارة ميلوني لدولة الإمارات بعد نحو 7 أشهر من زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى إيطاليا، في 14 يونيو2024، حيث شارك سموه خلالها في جلسة مجموعة السبع بشأن الذكاء الاصطناعي والطاقة في إيطاليا، تلبية لدعوة جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، وفي إطار حرص دولة الإمارات على المساهمة في تعزيز الجهود الهادفة إلى ترسيخ الحوار والتعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة التي يشهدها العالم، في سبيل بناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة وأكثر ازدهارًا. ووجه صاحب السمو رئيس الدولة كلمة خلال الاجتماع، أكد خلالها أن العالم يمر اليوم بالعديد من التحديات التي تنعكس بشكل أكبر على منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، خاصة في مجال الطاقة، مشددًا على أن المطلوب منا جميعًا التعامل مع هذا التحدي من خلال التعاون والعمل على تسخير التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي في تقديم حلول مستدامة في مجال الطاقة. وأكد حرص دولة الإمارات على إيجاد منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي، سواء من خلال البرامج والتشريعات أو المبادرات والشراكات مع الأصدقاء، بما يسهم في توظيف هذه التقنيات في إيجاد الحلول الفاعلة لاستدامة الطاقة، وضمان أمنها، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وكذلك الانتقال العادل والمنطقي في قطاع الطاقة، وذلك انطلاقًا من «اتفاق دولة الإمارات للمناخ»، الذي كان نموذجًا للتعاون وتضافر الجهود الدولية. وأعرب عن أمله في أن يؤسس هذا الاجتماع الهام لمرحلة جديدة من العمل الجماعي، تضمن التعامل المسؤول مع التقنيات الناشئة، حتى لا تكون مدخلًا لاتساع الفجوة التنموية بين دول العالم، أو سببًا في تصاعد الاستقطاب الدولي، بل رافدًا للتنمية المستدامة والأمن والازدهار للجميع.
وقد شهد عام 2023 عقد 3 قمم ولقاءات بين صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ورئيسة وزراء إيطاليا، اثنتان منهما في دولة الإمارات. حيث قامت ميلوني بزيارة لدولة الإمارات في ديسمبر 2023 للمشاركة في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 28»، حيث التقت على هامش القمة، مع صاحب السمو رئيس الدولة، وتناول اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دفعها إلى الأمام في مختلف المجالات، خاصة التنموية، إضافة إلى بعض القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وقبيل ذلك اللقاء، أجرى سموه زيارة لإيطاليا في يوليو 2023، شارك خلالها في أعمال «المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة». كما يعقد الجانبان لقاءات مهمة لدعم التعاون، أبرزها لقاء سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، وذلك على هامش انعقاد أعمال قمة قادة مجموعة العشرين في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية 19 نوفمبر الماضي، حيث جرى خلال اللقاء بحث سُبل تعزيز التعاون الثنائي بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وإيطاليا في المجالات المختلفة، وأكَّد الجانبان أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في ظل العلاقات الوثيقة التي تربطهما، كما أكد الجانبان، خلال اللقاء، أن هناك توافقاً مشتركاً بين دولة الإمارات وإيطاليا حول العديد من الملفات والقضايا الدولية الهامة، وأن هذا التوافق يعكس متانة العلاقات الثنائية ويعزز التعاون بين البلدين على الساحة الدولية، بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
أسس وركائز قوية للعلاقات
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1971، فيما افتتحت دولة الإمارات سفارتها في روما في العام 1981، بينما افتتحت إيطاليا سفارتها في أبوظبي في العام 1979. وتقوم العلاقات بين دولة الإمارات وإيطاليا على أسس متينة من الرؤى والمصالح المشتركة، وهذا هو شأن علاقات دولة الإمارات الخارجية بشكل عام، ما يجعلها قادرة دائماً على التطور والنمو وتحقيق الأهداف المرجوة منها. ويجسد افتتاح المقر الجديد لسفارة الدولة «فيلا دورانتي» في روما 14 يوليو 2017، حرص حكومة دولة الإمارات على تعزيز العلاقات الثنائية المشتركة مع إيطاليا، وتطويرها والمضي بها قدماً بما يخدم مصالح شعبي البلدين. وتعد الزيارات رفيعة المستوى المتبادلة مؤشراً مهماً على توافر إرادة مشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها بما يتفق مع قدرات البلدين ومكانتهما، كما توفر هذه الزيارات دفعة مهمة لعلاقات الصداقة والتعاون الإماراتية-الإيطالية في المجالات المختلفة، وفي مقدمتها المجالان السياسي والاقتصادي، ما يعكس حرص البلدين على تطوير علاقات التعاون وتطلعهما إلى مزيد من الشراكات الثنائية التي تلبي طموحات قيادتَي البلدين وتستفيد من الفرص والمقومات المتاحة لتعميق الروابط الاستراتيجية وتوسيعها. ورغم أن قوة العلاقات تعكسها اللقاءات رفيعة المستوى المتوالية، فإن الإطار المؤسسي الذي وفرته هذه اللقاءات وتوصلت إليه، يضيف قوة متجددة للعلاقات الثنائية، حيث وقعت الدولتان شراكة استراتيجية لمكافحة الجرائم المالية في 27 ديسمبر 2024، واتفاقية شراكة إطارية للتعاون في مشاريع الطاقة النظيفة في 15 يناير 2025، واتفاقية تعاون بين «مركز محمد بن راشد للفضاء» وشركة «تاليس ألينيا سبيس» الإيطالية في 4 فبراير 2025. وعلى المستوى الاقتصادي، بلغ إجمالي التجارة الثنائية غير النفطية بين البلدين، باستثناء قطاع الخدمات، نحو 42 مليار درهم عام 2023، بارتفاع تبلغ نسبته 160% منذ عام 2010، الذي سجَّل فيه إجمالي التجارة الثنائية غير النفطية 16.4 مليار درهم.
وبلغ إجمالي تدفقات الاستثمارات الإماراتية إلى إيطاليا نحو 298.6 مليون درهم بين عامي 2019 و2023، وارتفع إجمالي التدفقات الاستثمارية الإيطالية إلى دولة الإمارات بنسبة 50% في الفترة ذاتها، لتصل إلى نحو 1.9 مليار درهم، مقارنة بنحو 1.25 مليار درهم في الفترة من 2018 إلى 2022. ويمتد التعاون بين الدولتين إلى مجالات أخرى، من بينها الرياضة والثقافة، حيث عُقدت سباقات كأس صاحب السمو رئيس الدولة للخيول العربية في إيطاليا في يونيو 2024، ونُظِّمت بطولة «أبوظبي جراند سلام» للجوجيتسو في روما في منتصف أبريل 2024. وفي المجال الثقافي، افتتحت إمارة الشارقة أول معهد للثقافة العربية في مدينة ميلانو في سبتمبر 2024، وهو ما يعكس شمول العلاقات وعمقها، ويفتح الطريق أمام المزيد من تحقيق المصالح المشتركة، وتعظيم المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تترتب على العلاقات المتنامية بين الإمارات وإيطاليا.
زيارة مهمة في مرحلة فارقة
تُعد إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بإجمالي ناتج محلي تجاوز 2.2 تريليون دولار، كما أنها من كبار المصدرين عالميًا، إذ بلغت قيمة صادراتها السنوية 638 مليار دولار، وقد شهدت الاستثمارات الإيطالية في الإمارات نموًا بأكثر من 50% خلال السنوات الخمس الماضية، بينما سجل التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 14 مليار دولار، ما جعل إيطاليا الشريك التجاري الأول للإمارات داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما وصفه سفير إيطاليا لدى الإمارات، لورينزو فنارا، بأنه «تحول نوعي» في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث لم يعد التعاون يقتصر على التبادل التجاري التقليدي، بل تطور ليشمل الاستثمارات الاستراتيجية طويلة الأمد في القطاعات الحيوية التي تشكل مستقبل الاقتصاد العالمي، وهو ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي لكلا البلدين، وترسيخ موقعهما كقوتين اقتصاديتين كبيرتين قادرتين على الاسهام بفاعلية في تشكيل المستقبل وتوجيه حركة الاقتصاد العالمي خلال المرحلة المقبلة.
وتعتبر إيطاليا الشريك التجاري الأول غير النفطي للإمارات في الاتحاد الأوروبي، حيث سجل حجم التبادل التجاري بين البلدين 14.1 مليار دولار خلال العام الماضي بنمو 21%.، كما شهد حجم التبادل التجاري المشترك معدلات ارتفاع متوالية خلال السنوات الماضية، حيث ارتفع بنسبة 50% خلال السنوات الخمس الأخيرة. وما يعزز آفاق هذه العلاقات الاستراتيجية أنها تقوم على التنوع، حيث يلاحظ أنه شملت مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية القطاعين الحكومي والخاص (15 مذكرة تفاهم واتفاقية حكومية، وأكثر من 30 اتفاقية بالقطاع الخاص)، ما يعكس وجود إرادة قوية لزيادة الاستثمارات المشتركة في جميع المجالات.
وفي ذلك أكد معالي د. ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية أن قيمة الصفقات التي تم التوقيع عليها من قبل القطاع الخاص تتراوح من 3 إلى 5 مليارات دولار، بالاضافة إلى الاستثمارات الحكومية المستهدفة في إيطاليا والتي تتجاوز 40 مليار دولار، التي قالت إن هذا الاستثمار من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً في دعم جهود تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ويجعلهما متعاونين بشكل أوثق، ويعد أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ إيطاليا بحسب تأكيدات جورجا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية، وما يعزز من أهمية هذه الاستثمارات والاتفاقات المشتركة أنه تتضمن أيضاً العديد من القطاعات الاستراتيجية، ويعتبر القطاع الرئيسي هو قطاع البنية التحتية خاصة في الذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات، والقطاع الثاني هو قطاع الطاقة، بالإضافة إلى التعاون المشترك في قطاع الفضاء، والتعاون في قطاع الأدوية والأغذية وتطوير البنية التحتية واللوجستية.
تطور العلاقات .. أبعاد ودلالات
توج إعلان دولة الإمارات وجمهورية إيطاليا الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ما تشهده علاقات البلدين من تطورات نوعية في المجالات كافة، ولاسيما التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
تجسد الشراكة الاستراتيجية نجاح الدبلوماسية الإماراتية في توسيع قاعدة الشراكات الدولية التي تمضي في بنائها خلال السنوات الماضية، حيث تعتمد السياسة الخارجية الإماراتية قاعدة تنويع الشراكات مع القوى الدولية والاقتصادات الصاعدة كافة، بما يسهم في رفد الاقتصاد الإماراتي بكل ما يحتاجه من أجل تعزيز فرص تحقيق أهداف التنمية والاستدامة والتنافسية العالمية وتحقيق أهداف رؤية 2071.
الشراكة الاستراتيجية بين دولتين لهما ثقلهما دوليا ومكانتهما عالمياً، تسهم في تحقيق رخاء وازدهار البلدين وتعزيز علاقاتهما، وتحقيق الأهداف المشتركة لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ونشر قيم التسامح وتعزيز الأخوة الإنسانية.
تصب الشراكة الإستراتيجية بين الإمارات وايطاليا في خانة تحقيق أهداف مكافحة تغير المناخ، حيث تتطلع الإمارات إلى قيادة الجهود الدولية في هذا المجال من أجل تعزيز الاستدامة والتنمية والاسهام في بناء مستقبل أفضل للبشرية (خلال زيارة ميلوني للإمارات في 2023 وقعت شركة إيني الايطالية للنفط والغاز المملوكة للدولة اتفاقية تعاون في مجال الطاقة مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) لخفض الانبعاثات وتحسين أمن الطاقة تسريع النمو الاقتصادي والصناعي المنخفض الكربون، ما يعني انتقال الشراكة في مجال الطاقة من الطاقة التقليدية وتوسعها للطاقة المتجددة، كما وقع وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني إعلان نوايا بشأن استراتيجية المناخ مع مبعوث دولة الإمارات العربية المتحدة للمناخ والرئيس المعين لقمة المناخCOP28 سلطان أحمد الجابر).
يسهم تطور العلاقات الإماراتية الإيطالية في دعم الجهود الدولية المبذولة في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها استقرار ليبيا ومعالجة الأمور الخاصة بتدفقات الهجرة غير الشرعية، واستقرار أسواق الطاقة العالمية ومساعدة العديد من الدول الافريقية على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية.
التطور الكمي والنوعي في علاقات الشراكة الإماراتية الايطالية يعكس تحولات جيوسياسية مهمة، سواء لجهة اتساع دائرة الشراكات الاستراتيجية الإماراتية عالمياً، أو لتعزيز إيطاليا مكانتها كلاعب رئيسي في قطاعات الدفاع والفضاء والأمن السيبراني في الخليج.
تمثل الاستثمارات الإماراتية الضخمة بنحو 40 مليار دولار ركيزة كبرى للعلاقات المستقبلية بين الإمارات وإيطاليا، حيث وصفتها ميلوني بأنها «واحدة من أكبر الاستثمارات الأجنبية في تاريخ إيطاليا» وتمثل بداية حقبة جديدة من التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين، وقالت ميلوني «غالبًا ما نستخدم كلمة «تاريخي» باستخفاف شديد، لكنها اليوم مناسبة حقًا. لقد التزمنا بأخذ تعاوننا إلى مستوى غير مسبوق، واليوم، وقعنا أكثر من 40 اتفاقية ثنائية”، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن خطة الاستثمار الإماراتية متعددة القطاعات تهدف إلى تعزيز المشهد الاقتصادي الإيطالي وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في قطاعات مثل الطاقة والذكاء الاصطناعي والاتصالات والدفاع، وستلعب شركات إيطالية كبرى مثل إيني وإينيل وكاسا ديبوسيتي إي بريستيتي وفينكانتييري وليوناردو وإنتيسا سان باولو وتيم دورًا رئيسيًا في هذه الاتفاقيات. ومن أبرز جوانب الاستثمار التركيز على الصناعات المستقبلية، حيث ستتعاون الإمارات وايطاليا في مجال الذكاء الاصطناعي والترابط الرقمي والطاقة والتصنيع المتقدم والمعادن الحيوية واستكشاف الفضاء.
يعزز التعاون مع إيطاليا مكانة الإمارات ولاسيما على صعيد التأثير والقوة الناعمة، الذي حققت فيه الدولة إنجازا غير مسبوق بدخولها في قائمة الدول العشر الأولى لأول مرة في تاريخها في مؤشر القوة الناعمة العالمي للعام 2023 الذي تعده مؤسسة “براند فاينانس» العالمية. وتقدمت دولة الإمارات في غالبية المؤشرات الفرعية اعتماداً على حالة النمو والتقدم التي تشهدها في كافة القطاعات الاقتصادية والمجتمعية. وفي محور «الحوكمة» حققت دولة الإمارات نمواً في المؤشرات كافة، حيث قفزت في مؤشر «التقدير العالمي لقيادات الدولة» من المركز العاشر في العام 2022 إلى المركز الثامن على مستوى العالم. أما في محور العلاقات الدولية فقد واصلت دولة الإمارات العربية المتحدة تقدمها لتحل في المرتبة التاسعة على مستوى العالم في مؤشر «التأثير في الدوائر الدبلوماسية»، انطلاقاً من علاقاتها القوية التي تربطها بمختلف دول العالم، وسمعتها الطيبة كواحدة من الدول المؤثرة على المستوى السياسي والدبلوماسي، فضلاً عن جهودها المتواصلة في مجال المساعدات الإنسانية والخيرية. ولعبت مجموعة كبيرة من العوامل دوراً محورياً في تحقيق هذا الأداء اللافت الذي جعل من دولة الإمارات تبتعد في صدارة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال وأفريقيا، وجاء في مقدمة هذه العوامل تنامي التأثير الإماراتي الإيجابي في الدوائر الدبلوماسية، ونمو العلاقات الإماراتية مع مختلف دول العالم وازدهارها بشكل متواصل.
توفر الشراكة الاستراتيجية القوية بين البلدين فرصة لتطوير العلاقات إلى نوع من انواع تحالف المصالح القائم على تحقيق الأمن والاستقرار باعتبار البلدين لاعبين رئيسيين في منطقة الهند والبحر الأبيض المتوسط، والاستفادة من نقاط القوة الاقتصادية والجيوسياسية لتعزيز الاستقرار والازدهار بما يضمن المصالح المشتركة للطرفين، حيث تعطي إيطاليا الأولوية لأوروبا الشرقية، بينما يحتل الخليج العربي وقارة افريقيا أولوية قصوى في حسابات السياسة الخارجية الإماراتية، ما يخلق فرصًا للتوافق الاستراتيجي والمبادرات التعاونية في هذه المناطق، حيث أعربت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني عن التزام إيطاليا القوي بتعزيز تعاونها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكدت أن التعاون الأعمق من شأنه أن يخدم المصالح المتبادلة لكلا البلدين ويساهم في الاستقرار العالمي والنمو الاقتصادي.
إن تعزيز العلاقات مع إيطاليا لا يفتح أسواقًا جديدة للشركات الإماراتية فحسب، بل يعزز أيضًا التعاون في الصناعات المتقدمة، بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل لدولة الإمارات العربية المتحدة.
تحتاج ايطاليا إلى تعزيز شراكتها مع دولة الإمارات من أجل تنويع مصادر الطاقة بعد التوجه الأوروبي نحو وقف الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية كأحد تداعيات الحرب في أوكرانيا، بحيث تصبح ايطاليا أكثر مناعة في مواجهة صدمات الطاقة المفاجئة كما حدث في تلك الحرب، ولكن هذا لا ينفي وجود مقومات أخرى للشراكة لا تقل أهمية عن الطاقة ومنها التجارة والاستثمارات والفضاء وصناعات الدفاع والذكاء الاصطناعي، وجميعها ركائز وأهداف حيوية ضمن دبلوماسية البلدين.
مجالات التعاون المشترك
عززت الإمارات وايطاليا شراكتهما الاستراتيجية من خلال سلسلة من الاتفاقيات الرئيسية التي تغطي الأمن السيبراني وقطاع الطاقة الذي برز كنقطة محورية خلال المحادثات، والبنية الأساسية والتكنولوجيا المتقدمة، ومجالات حيوية مثل التعاون الفضائي، والبحث العلمي، كما يحتل قطاع الدفاع أهمية كبيرة في العلاقات الإماراتية الايطالية، حيث وقع الجانبان خلال زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، لإيطاليا اتفاقية تعاون دفاعي شاملة، وصفها وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو (التقى صاحب السمو كذلك وزير الدفاع الإيطالي مرتين في 30 ديسمبر 2024، و19 فبراير 2025) بأنها تمثل «خطوة ملموسة لتكثيف تعاوننا مع الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة مرتبطة بنا ليس فقط بصداقة قوية ولكن أيضًا بالتزام مشترك بالاستقرار والأمن العالميين”، مؤكدا أن هذا يمثل بداية شراكة استراتيجية لصناعة الدفاع الإيطالية في منطقة الخليج، إلى جانب الاتفاقيات السياسية.
كما يعد مجال الدفاع تحت الماء أحد نطاقات التعاون المشترك، إثر اتفاق مبدئي وقعه الجانبان في نوفمبر الماضي بين شركة فينكانتيري التي وقعت مذكرة تفاهم مع مجموعة إيدج الإماراتية لتوسيع التعاون في مجال الدفاع تحت الماء، من خلال مشروعهما المشترك مايسترال، ومقره أبوظبي، حيث سيتعاونان في تصميم وتطوير وإنتاج أنظمة بدون طيار لحماية البنية التحتية الحيوية تحت الماء، وتكنولوجيا رسم خرائط قاع البحر، والغواصات من الجيل التالي، وسفن حاملات الطائرات بدون طيار، والطوربيدات الخفيفة الوزن. وقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة فينكانتيري بيير روبرتو فولجييرو إلى أن سوق الدفاع تحت الماء من المتوقع أن يصل إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2030، مؤكدًا أن «بعض الموضوعات تتطلب رؤية جيوسياسية - رؤية تعزز الاتفاقيات الاستراتيجية لتوحيد القوى وإنشاء كتلة موحدة”. وأهمية هذا المجال تكمن في تأثيره الحيوي في الحفاظ على أمن الممرات المائية والأمن البحري، بالاضافة إلى أن التركيز الاستراتيجي على امتلاك قدرات الدفاع تحت الماء ترتبط بالحاجة إلى حماية البنية التحتية الحيوية تحت الماء، مثل كابلات الاتصالات وخطوط أنابيب الطاقة، من التهديدات المحتملة، فضلاً عن خبرة الجانب الايطالي في هذ المجال، الذي تظهر فيه كلاعب رئيسي، مستفيدة من خبرتها في الهندسة البحرية والدفاع البحري.
ولا شك أن بين الإمارات وإيطاليا في هذا المجال يؤكد على الأهمية الجيوسياسية الأوسع للأمن تحت الماء في عصر التوترات العالمية المتزايدة، وخاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما يمثل التعاون الفضائي بعداً آخر مهم للعلاقات التي تمتد من أعماق البحر إلى الفضاء الخارجي، حيث وقعت وكالة الفضاء الإيطالية مذكرتي تفاهم مع وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء، تركزان على مهمتين: مركبة راشد 3، وهي جزء من مهمة الإمارات القمرية التي تستهدف القطب الجنوبي للقمر، ومهمة الإمارات إلى الكويكبات، التي تهدف إلى دراسة الكويكبات ذات الأهمية العلمية. وستساهم إيطاليا بالتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك مطياف الأشعة تحت الحمراء للقمر(MoonIS) للمركبة القمرية، إلى جانب الدعم العلمي لوكالة الإمارات للفضاء.
الخاتمة
تمتلك علاقات الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الايطالية ركائز عدة قوية للتطور والنمو، فبالإضافة للإرادة السياسية التي توافرت خلال هذه الفترة لتعزيز التعاون والشراكة، هناك توافق في توجهات السياسة الخارجية لاسيما التوجه نحو تعزيز الأمن والاستقرار العالميين، ونشر قيم التسامح والتعايش، بالاضافة إلى وجود آفاق واعدة للتبادل التجاري والاستثماري وتعزيز التعاون في قطاعات حيوية للمستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار والفضاء وصناعات الدفاع.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات