استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
في ضوء زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى باريس:
تشهد العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، وباتت تستند إلى أسس متينة من التعاون المشترك في مختلف المجالات. وجاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، خلال شهر فبراير الماضي، إلى فرنسا، التي كان سموه قد وصفها بـ «الصديق والحليف الاستراتيجي»، ووصف رئيسها ماكرون بـ«الصديق»، كخطوة نوعية جديدة نحو تعزيز هذه العلاقات وترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين اللذين يتقاسمان العديد من القيم والمبادئ فضلاً عن المصالح المشتركة المتنامية، التي تمثل دعامة أساسية من دعائم تطور هذه العلاقات.
«العلاقات الإماراتية -الفرنسية تاريخية ونموذج للشراكة التي تخدم التنمية وتدعم السلام والازدهار» بهذه العبارة عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال زيارته الأخيرة إلى باريس في السادس من فبراير عام 2025، عن رؤية سموه لعلاقات الشراكة القوية المتنامية مع الجمهورية الفرنسية، حيث أعلن سموه في تغريدة على موقع «إكس» أن المباحثات مع «الصديق إيمانويل ماكرون» شملت العلاقات الإستراتيجية بين الإمارات وفرنسا والعمل المشترك لتعزيزها خاصة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة والاستدامة والثقافة وغيرها، مشيراً سموه إلى توقيع «إطار العمل الإماراتي-الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي»، وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ولعل أبرز ما في زيارة العمل الأخيرة التي قام بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى باريس هو الاتفاقية الموقعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي وصفها الجانب الفرنسية بأنها «اتفاقية تعاون رائدة»، وتتضمن اتفاقية الإطار هذه خطة استثمارية تهدف إلى إنشاء مجمع بسعة 1 جيجاوات في فرنسا مخصص للذكاء الاصطناعي، تجسيداً لرغبة قيادتي البلدين الصديقين في إقامة شراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير المشاريع والاستثمارات التي تدعم تطوير سلسلة قيمة في مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك، من بين أمور أخرى، الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي الفرنسي والإماراتي، وشراء الرقائق المتطورة، ومراكز البيانات، وتنمية المواهب، حيث يوضح حجم الأنشطة وحجم تطوير البنية التحتية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة مدى ثراء وديناميكية العلاقة بين البلدين ويضع فرنسا في موقع رائد في مجال الذكاء الاصطناعي في أوروبا بحسب ما ذكر بيان السفارة الفرنسية في أبوظبي.
واللافت أن زيارات العمل التي يقوم بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى باريس تمنح قوة دفع نوعية كبيرة للعلاقات بين البلدين، بما يترجم قناعة مشتركة بأهمية تطوير التعاون الثنائي لما فيه مصلحة الشعبين، حيث سبق أن شهدت الزيارة التي قام بها سموه إلى فرنسا في يوليو 2022 توقيع «اتفاقية شراكة استراتيجية عالمية حول التعاون في مجال الطاقة»، وتهدف هذه الاتفاقية إلى «تحديد المشاريع الاستثمارية المشتركة في فرنسا أو الإمارات أو أي مكان آخر في العالم في مجالات الهيدروجين أو الطاقات المتجددة أو حتى الطاقة النووية”، كما ستساعد على «إنشاء إطار عمل مستقر طويل الأجل لهذا التعاون، لتمهيد الطريق لعقود صناعية جديدة وتحديد مشاريع الاستثمار المشتركة المستقبلية»، بما يشمل «إمكانية إنشاء صندوق ثنائي لتمويل المشاريع الخضراء”. وكان الرئيس ماكرون قد قلد خلال تلك الزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان شارة الصليب الأكبر من وسام جوقة الشرف الوطني وقدم له هدية عبارة عن نسخة من عام 1535 لخريطة عالم الجغرافيا الألماني لورنز فرايز لشبه الجزيرة العربية. فيما منح الرئيس الإماراتي نظيره الفرنسي «وسام زايد» وهو أعلى وسام مدني في الإمارات يقدم للرؤساء والملوك، كما أكد سموه خلال تلك الزيارة، لنظيره الفرنسي دعم أبوظبي لأمن الطاقة في فرنسا والعالم.
أهمية الزيارة
تضمنت أجندة زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى باريس مناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك في مجالات متعددة، تشمل الاقتصاد، الطاقة، الدفاع، والتعليم، بالإضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حيث تمثل فرنسا شريكاً استراتيجياً رئيسياً للإمارات في أوروبا، وتربطهما علاقات وثيقة في المجالات السياسية الاقتصادية والاستثمارية والثقافية والعلمية والعسكرية والأمنية. كما تعكس أيضاً وجود إرادة مشتركة لتعزيز العلاقات وتقويتها بشكل مستمر والاستفادة من الفرص القائمة في مجالات التعاون بين البلدين، ويضاعف من أهمية زيارة سموه الأخيرة لفرنسا أن هناك أجندة قضايا سياسية حيوية تحتاج إلى تبادل الرأي والمشورة بين البلدين الصديقين، لاسيما في ضوء التطورات المتسارعة في ملفات مهمة بالنسبة للسياسة الخارجية الفرنسية وفي مقدمة ذلك تأتي سوريا ولبنان وأزمة غزة. كما تكتسب القمة أهمية خاصة نظراً لتزامنها مع إعلان وزارة الدفاع الإماراتية عن دخول أول طائرة «رافال» فرنسية ضمن الدفعة الأولى للخدمة، وهي من بين المقاتلات الأكثر تطورًا عالميًا، مما يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز قدرات القوات المسلحة الإماراتية، ويعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وفرنسا.
جاءت الزيارة في توقيت بالغ الاهمية لجهة التغيرات الاستراتيجية التي تشهدها العلاقات الدولية عقب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة، وما يرتبط بذلك من إعادة هيكلة السياسات الأمريكية في ملفات اقليمية ودولية عدة، فضلاً عن إعادة تأطير علاقات واشنطن ببعض المنظمات الدولية، حيث يبرز في هذا الإطار التنسيق الإماراتي الفرنسي من أجل الاسهام في تسوية الكثير من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وصولاً لتحقيق الاستقرار والأمن لاسيما في مناطق الأزمات.
تمثل فرنسا أحد رهانات السياسة الخارجية الإماراتية لتنويع شراكاتها الاستراتيجية مع القوى الدولية، ولاسيما تلك التي تتقاسم معها مشتركات عدة مثل فرنسا؛ حيث يلاحظ حرص الدولة في السنوات الأخيرة على تعميق علاقات الشراكة مع القوى الدولية والاقليمية الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند ودول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان، ناهيك عن تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة مع الولايات المتحدة، فبالإضافة إلى مجالات التعاون المتطورة مع فرنسا، فإن هناك مجالات مستحدثة للتعاون مثل العمل على دعم استقرار القارة الافريقية وتحريك عجلة التنمية في دولها، حيث تضطلع دولة الامارات بدور حيوي في ترسيخ الاستقرار بمناطق عدة في افريقيا، التي تعد بدورها أحد مناطق النفوذ الفرنسي التقليدي، ولهذا فإن تعاون الدولتين على هذا الصعيد يصب في مصلحة أمن واستقرار القارة الافريقية، التي تعد بدورها جزءاً من مقومات أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
تطور العلاقات الثنائية
ترجع جذور العلاقات بين الإمارات وفرنسا إلى ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات، حيث لعبت الشركات الفرنسية الكبرى، مثل «توتال»، دوراً بارزاً في عمليات التنقيب عن النفط داخل الدولة. ومع إعلان قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، بدأت العلاقات الثنائية في التبلور، حيث أسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، دعائم صداقة قوية بين البلدين، والتي تعززت بشكل أعمق مع الزيارة الأولى للقائد المؤسس إلى باريس عام 1975. ومنذ هذه الانطلاقة، تشهد العلاقات بين الدولتين تطوراً مستمراً في مختلف المجالات، ويتجسد ذلك في الحوار المتواصل بين الجانبين، والزيارات واللقاءات رفيعة المستوى، والاجتماعات الوزارية والحكومية المنتظمة، بالإضافة إلى تبادل الوفود البرلمانية، مما يعكس حجم الاهتمام المشترك بتعزيز أواصر التعاون الثنائي.
وفي إطار السعي للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، دشّن البلدان الصديقان إطاراً مؤسسياً لتطوير العلاقات الثنائية وتعزيزها، حيث أطلقتا «لجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الفرنسي» عام 2008، بهدف تحديد الفرص المستقبلية وتعزيز التعاون في مختلف القطاعات الحيوية، مثل الاقتصاد، التجارة، الاستثمار، الثقافة، النفط والغاز، الطاقة النووية والمتجددة، التعليم، الصحة، الفضاء، والأمن، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، وحقوق الملكية الفكرية، ومواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والفضاء، إلى جانب مجالات أخرى ذات أولوية مشتركة، لتتوج باتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة في مجال الطاقة منذ عام 2022. ـ واتسمت العلاقات منذ بدايتها بالاحترام المتبادل والتعاون على أساس المصالح المشتركة، ولم تشهد أي أزمات أو توترات عابرة منذ بدايتها، ما يجعلها نموذجاً في علاقات الصداقة القائمة على التفاهم والاحترام المتبادل. وتشير التقارير الفرنسية إلى أن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك كان ينظر بتقدير خاص لمؤسس دولة الامارات المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ كما أكد قصر الإليزيه أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لباريس في يوليو 2022، كانت ثاني زيارة دولة إماراتية لفرنسا بعد زيارة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد لفرنسا عام 1991، في ظل رئاسة الراحل فرانسوا ميتران. وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء حضوره افتتاح متحف «لوفر أبوظبي»، أكد في كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة أن كل من فرنسا والإمارات شركاء في تعزيز روح التسامح و المساواة بين الشعوب وتعملان معاً من أجل تعزيز مفهوم التقارب الثقافي والإنساني بين مختلف الحضارات.
أوجه التعاون الإماراتي-الفرنسي
تشهد العلاقات بين دولة الإمارات وفرنسا تعاوناً متكاملاً ومتعدد الأبعاد يشمل مختلف المجالات الحيوية، مما يعكس رؤى مشتركة لتحقيق التنمية والاستقرار وتعزيز مكانة كلا البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية. وفيما يلي نستعرض أوجه التعاون المختلفة بين البلدين:
التعاون السياسي والدبلوماسي
تحظى العلاقات السياسية بين الإمارات وفرنسا بقدر كبير من التفاهم والتنسيق المستمر في القضايا الإقليمية والدولية، فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، شهدت الشراكة تطوراً مستمراً مبنياً على المصالح المشتركة، والرؤى المتقاربة تجاه القضايا الإقليمية والدولية. ويبرز هذا التعاون في التنسيق الدبلوماسي المستمر، والزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، التي تعكس عمق الروابط الدبلوماسية والحرص المشترك على تطويرها، إضافة إلى التعاون في مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وتستند العلاقات السياسية بين الإمارات وفرنسا إلى أسس قوية من التفاهم والاحترام المتبادل، إذ يحرص البلدان على التنسيق المستمر في الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وتعد اللقاءات المتكررة بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤشرًا واضحًا على عمق هذه العلاقات.
فقد ساهمت هذه اللقاءات في تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي، والتوصل إلى تفاهمات مشتركة بشأن العديد من القضايا الاستراتيجية. ويشترك البلدان في وجهات نظر متقاربة بشأن العديد من القضايا الدولية، خاصة فيما يتعلق بملفات الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتلعب الإمارات وفرنسا دوراً فاعلاً في دعم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق السلام في المناطق المتأزمة، لا سيما في اليمن، وليبيا، وسوريا وغزة، كما يدعم البلدان المساعي الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال التعاون في المجالين الأمني والعسكري، وتعزيز الجهود لمواجهة الجماعات الإرهابية والتصدي للأفكار المتطرفة.
وتحرص الإمارات وفرنسا على تعزيز التعاون داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والهيئات المعنية بمكافحة التغير المناخي وحقوق الإنسان. وقد شهدت السنوات الأخيرة تنسيقاً متزايداً بين البلدين في المؤتمرات الدولية، حيث لعبت فرنسا دوراً داعماً لترشح الإمارات لمقعد غير دائم في مجلس الأمن للفترة 2023-2022. كما تشترك الدولتان في الجهود الرامية إلى تعزيز العمل المناخي، وهو ما تجسد في إطلاق «المنصة الثنائية الإماراتية - الفرنسية للاستثمار المناخي» لتعزيز التعاون في مجالات التنمية المستدامة والطاقة المتجددة. كما تسعى الإمارات وفرنسا إلى تعزيز الاستقرار العالمي عبر مبادرات دبلوماسية مشتركة، تشمل الوساطات في النزاعات، ودعم الحلول السلمية للأزمات الدولية. كما يعمل البلدان على تعزيز الحوار بين الثقافات، وتشجيع سياسات التسامح والانفتاح لمواجهة التحديات العالمية المعاصرة.
التعاون الاقتصادي والتجاري
تمثل فرنسا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لدولة الإمارات، وتعتبر الإمارات ثاني أكبر مستثمر خليجي في فرنسا، حيث شهد حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نموًا متزايداً في السنوات الأخيرة، وبحسب بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء في الإمارات، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2022 نما بنسبة 16.8%، ليصل إلى8 مليارات دولار، وفي التسعة أشهر الأولى من عام 2023، زاد حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الدولتين بنحو 12.5%، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، مسجلًا نحو 6.8 مليار دولار، وازدادت الاستثمارات المتبادلة؛ بفعل وجود أكثر من 12,500 رخصة اقتصادية فرنسية نشطة داخل دولة الإمارات حتى يوليو 2023، بالإضافة إلى تأسيس مجلس الأعمال الفرنسي – الإماراتي الذي يسعى لتعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية، ويجمع مجموعةً متنوعةً من الشركات الفرنسية والإماراتية، كما تحتضن الإمارات العديد من الشركات الفرنسية الكبرى بنحو 600 شركة تعمل في قطاعات متنوعة، مثل الطيران والطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. وتأتي هذه الزيارة لتعزيز هذه الشراكة الاقتصادية عبر توقيع اتفاقيات جديدة وزيادة الاستثمارات المتبادلة.
التعاون في مجالات الدفاع والأمن
تعد الشراكة الدفاعية بين الإمارات وفرنسا من أبرز مجالات التعاون بين البلدين، ويعود هذا التعاون إلى عقود مضت، حيث تطورت الشراكة الدفاعية بين البلدين بشكل ملحوظ، لتشمل مجالات متعددة مثل التدريب العسكري، والتسليح، والأمن السيبراني، ومكافحة الإرهاب، مما يعزز من قدراتهما المشتركة في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية. وتقوم العلاقات الدفاعية بين الإمارات وفرنسا على أسس متينة من التعاون الاستراتيجي، تجسدت في توقيع عدد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، التي تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية الإماراتية ودعم الاستقرار في المنطقة.
ومن أبرز هذه الاتفاقيات والتفاهمات:
اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة عام 1995، والتي تم تعزيزها لاحقًا لتشمل مجالات أوسع من التعاون العسكري.
إنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في الإمارات عام 2009، وهي أول قاعدة دائمة لفرنسا في منطقة الخليج العربي، ما يعكس متانة وتطور العلاقات الدفاعية بين البلدين.
صفقات التسليح والتعاون التقني، والتي شملت شراء الإمارات لطائرات مقاتلة فرنسية متطورة وأنظمة دفاعية متقدمة، حيث وقّعت الإمارات في 2021 اتفاقًا تاريخيًا مع فرنسا لشراء 80 مقاتلة من طراز «رافال»، ما يعزز القدرات العملياتية للقوات الجوية الإماراتية.
تعمل الشركات الفرنسية بالتعاون مع نظيراتها الإماراتية على تطوير مشاريع بحثية وإنتاج مشترك في مجال الصناعات العسكرية والتكنولوجية، كذلك، تُجرى بشكل دوري تدريبات عسكرية مشتركة لتعزيز التنسيق العملياتي بين القوات الإماراتية والفرنسية.
التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي
يعد الذكاء الاصطناعي أحدث وأبرز أوجه التعاون بين البلدين، إذ تسعى الإمارات إلى تحقيق رؤية مستقبلية تتمحور حول التحول الرقمي والابتكار، حيث تُعد تقنيات الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في تطوير قطاعات متعددة مثل الصحة والتعليم والأمن وإدارة المدن الذكية. ومن جهتها، تتمتع فرنسا بخبرة علمية وتقنية راسخة، مما يجعلها شريكاً مثاليًا في هذا المجال. ويخصص البلدان برامج تمويل مشتركة لدعم الأبحاث العلمية والتطوير التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يُعزز من القدرة التنافسية للبلدين على المستوى العالمي ويسهم في اكتشاف تقنيات جديدة تسهم في تحسين جودة الحياة. وخلال الزيارة الأخير لصاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، إلى فرنسا، شهد الرئيسان مراسم توقيع «إطار العمل الإماراتي – الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي»، وبناء على هذه الاتفاقية، أعلن قصر الإليزيه بعد الزيارة بأيام قليلة عن اتفاق إطاري تستثمر الإمارات بموجبه بين 30 و50 مليار يورو لتشييد مركز بيانات عملاقًا للذكاء الاصطناعي في فرنسا، ويعد هذا المشروع أول استثمار كبير يُعلن عنه تزامنًا مع القمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي التي استضافتها باريس في الفترة من 11 إلى 12 فبراير بمشاركة نحو 100 دولة.
التعاون في مجالات الطاقة
من ناحية أخرى، تبرز الطاقة كأحد المحاور الرئيسية للتعاون، حيث تسعى الإمارات وفرنسا إلى تعزيز الشراكة في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة، بما ينسجم مع الأهداف العالمية لمكافحة التغير المناخي. فقبل عامين، أطلق الجانبان الإماراتي والفرنسي برنامجاً مشتركاً يجمع خبرات الدولتين لتطوير فرص تجارية مستدامة للاستثمار بهدف تسريع حلول الطاقة النظيفة لا سيما في مجال إزالة الكربون من القطاعات التي يصعب فيها الحدّ من الانبعاثات والتي تشمل استخدام حلول الهيدروجين النظيفة في مجال التنقل وذلك بالتزامن مع استضافة دولة الإمارات لمؤتمر« COP28». كما ساهمت الشراكة بين الإمارات وفرنسا في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، من خلال الشركات الرائدة في البلدين، في تطوير واستثمار وتشغيل أكثر من 6.2 غيغاواط من مشاريع الطاقة النظيفة حول العالم. وتشمل هذه المشاريع اثنين من أكبر محطات الطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، والمُقامة في دولة الإمارات، إلى جانب استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار. كما أسهمت هذه الجهود في الحد من الانبعاثات الكربونية بنحو 10 ملايين طن سنويًا، مما يعزز التزام البلدين بمواجهة التغير المناخي ودعم الاستدامة.
التعاون في المجالات الثقافية والعلمية
شهد التعاون الثقافي بين الإمارات وفرنسا تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ويعد متحف «اللوفر أبوظبي» أحد أبرز المشاريع المشتركة التي تجسد هذا التعاون. كما تمتد العلاقات بين البلدين إلى مجالات البحث العلمي والتعليم، حيث يرتبطان باتفاقيات أكاديمية وبرامج تبادل طلابي بين الجامعات والمراكز البحثية، حيث تستضيف الإمارات عدداً من المؤسسات الأكاديمية الفرنسية، مثل جامعة السوربون أبوظبي، التي تعزز التعاون في مجالات التعليم والبحث العلمي. أما عن ركائز الشراكة الإماراتية-الفرنسية فيمكن استعراضها في الآتي:
دعم ومتابعة وتوجيهات قيادة البلدين ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ما أسهم في الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في كافة المجالات، وهنا يلاحظ الاحتفاء الفرنسي الرسمي بزيارة الدولة التي قام بها صاحب السمو رئيس الدولة لباريس في يوليو 2022، والتي شهدت احتفاء فرنسياً رسمياً استثنائياً تجسد في ترتيب حفلات استقبال لها مؤشر احتفائي ملحوظ على مدى ثلاثة أيام في أعرق ثلاثة قصور رئاسية فرنسية، هي قصر الإليزيه (مقر رئاسة الجمهورية) وقصر ماتينيون (مقرّ الحكومة) وقصر الانفاليد الأثري، ناهيك عن قصر فرساي وقوس النصر، ومقر الجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الشيوخ . ومن نافلة القول إن ما يعرف بكيمياء العلاقات الشخصية تلعب دوراً حيوياً في العلاقات الدولية، وهنا يمكن الإشارة إلى روابط الصداقة الشخصية القوية التي تجمع قيادتي البلدين، ما يسهم في إيجاد جو من التفاهم ويعزز فرص بناء مواقف مشتركة حيال مختلف الملفات والقضايا، ناهيك عن تأثير هذا العامل المهم في إضافة زخم عميق للتعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات. وفي ذلك يمكن الإشارة إلى مقال نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية بمناسبة زيارة صاحب السمو رئيس الدولة لباريس في يوليو 2022، وصفت فيه العلاقة بين البلدين بأنها قوية ولا مثيل لها، وأوضح المقال -الذي كتبه الصحفيان بنيامين بارت وفيليب ريكارد- أن الشراكة القوية بين فرنسا والإمارات، التي بدأت في السبعينيات في عهد مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، اتخذت في فترة الولاية الأولى للرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون بُعدا لم يسبق له مثيل، وقال الكاتبان إن الإمارات في عهد ماكرون لم تصبح عميلا رائداً للصناعة الفرنسية -ولا سيما العسكرية- فحسب، بل أصبحت كذلك ركيزة عمل فرنسا في العالم العربي والإسلامي.
العلاقات لما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات بعمل شركة «توتال» في التنقيب عن النفط، وحينما قام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 تأسست العلاقات الثنائية الرسمية بين الدولتين وكانت فرنسا قد بادرت قبلها بتعيين أول سفير لها لدى دولة الإمارات بول كارتون بتاريخ 19 أبريل 1972، وكان في الوقت نفسه سفيراً لدى الكويت، كما عينت دولة الإمارات في الفترة نفسها أول سفير لها لدى فرنسا، مهدي التاجر، والذي كان في الوقت نفسه سفيراً لدى المملكة المتحدة. ومن هذه الركائز ما هو اقتصادي، حيث يشهد حجم التبادل التجاري تصاعداً مستمراً. وقد انعكست قوة العلاقات الثنائية بين البلدين على الروابط الاقتصادية والتجارية والتي باتت أكثر متانة وقوة، حيث تستضيف دولة الإمارات أكبر عدد من المؤسسات الفرنسية العاملة في منطقة الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك ما تشهده الشراكة التجارية والاستثمارية بين البلدين من تطورات إيجابية ملحوظة بفضل العلاقات الوطيدة التي تربط قيادتي البلدين، حيث تعد فرنسا رابع أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات من بين دول الاتحاد الأوروبي، وتأتي في المركز الرابع في عمليات إعادة التصدير، والمركز السادس في استقبال الصادرات الإماراتية غير النفطية والمرتبة الثالثة بين أكبر دول الاتحاد الأوروبي مصدراً للواردات الإماراتي.
يمثل التفاهم المشترك أحد أبرز عوامل تطور العلاقات الإماراتية ـ الفرنسية، فهناك التقاء على أساس الاحترام المتبادل ووجهات النظر المشتركة، وهناك توافق حول مكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز التسامح والتعايش والإسهام الفعّال في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين. وقد عزز من دور هذه المشتركات الاعتماد على المؤسسية في تطوير آليات للتعاون، حيث أسهم الحوار الاستراتيجي الإماراتي ـ الفرنسي الذي انطلق في عام 2008، في تحديد الفرص واوجه التعاون الممكنة والمستقبلية وتحديد سبل استدامتها، ولاسيما في المجالات ذات الأولوية مثل الاقتصاد والتجارة والنفط والغاز والطاقة النووية والمتجددة والصحة والفضاء والأمن والتعليم والثقافة وأحدثها الذكاء الاصطناعي. كما اعتمد الجانبان خارطة طريق طموحة لشراكة استراتيجية تمتد للفترة من 2020 ـ2030، وأضافا إلى الأولويات السابقة مجالات أخرى مثل الهيدروجين الأخضر والغاز والتغير المناخي، والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والتكنولوجيا المالية وحقوق الملكية الفكرية ومكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والأمن السيبراني.
خصوصية استثنائية للعلاقات الإماراتية الفرنسية
كان اختيار الرئيس الفرنسي لدولة لإمارات كأول وجهة له خارج أوروبا عقب انتخابه في 2017، دليلاً قوياً على عمق العلاقات التاريخية، وخصوصية الإمارات في السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس ماكرون، وهو ما ينطوي بالتبعية على دلالات رمزية تعكس عمق العلاقات الاماراتية الفرنسية، التي قال الرئيس ماكرون في وصفها إنها «مسألة تتعلق بروابط قائمة على قيم انسانية ومُثل عليا تتجاوز الأزمنة والأمكنة». وتتعمق هذه الخصوصية على مستوى القيادة بالإشارة إلى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ قد اختار أيضاَ الجمهورية الفرنسية لتكون وجهة لأولى زياراته الخارجية الرسمية عقب توليه منصب رئيس الدولة حيث قام سموه بزيارة باريس في يوليو 2002، ، بكل ما يعنيه اختيار فرنسا محطة أولى للتحركات الدولية للسياسة الخارجية الاماراتية في عهد سموه، من معان ودلالات استراتيجية عميقة ومتعددة. حيث تعد تلك الزيارة، كما وصفها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، «تاريخية» بكل المعايير التي تنطوي عليها أدبيات العلاقات الدولية.
وتعكس هذه الخصوصية وصول العلاقات الثنائية إلى مستوى من التفاهم والتنسيق والشمولية والتكامل، يجعلها تتفرد وسط علاقات الامارات الدولية بشكل عام، والغربية بشكل خاص. وفي هذا الإطار أيضاً، يلاحظ حرص الإمارات على طمأنة الحليف الاستراتيجي الفرنسي بشأن أمن الطاقة في ذروة تداعيات الأزمة الأوكرانية من خلال تأكيد ضمان أمن الطاقة لفرنسا والاتحاد الأوروبي، حيث جاء هذا التأكيد في توقيت بالغ الحيوية بالنسبة لمنطقة كانت تشعر بالقلق الشديد جراء احتمالات نقص امدادات الطاقة بسبب توتر العلاقات مع روسيا وما ترتب عليه من نقص امدادات الطاقة في ذروة فترة الشتاء وقتذاك. وأحد مظاهر خصوصية العلاقات الإماراتية ــ الفرنسية أيضاً يتمثل في شمولية وتنوع العلاقات بين البلدين، وهي علاقات تختلف عن علاقات الامارات مع حلفاء استراتيجيين دوليين آخرين، حيث لا تقتصر مجالات التعاون على الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية، بل تمتد لتشمل الجانب الثقافي.
خاتمة
تؤكد نتائج زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لباريس على قوة العلاقات الإماراتية-الفرنسية، وامتلاكها مقومات التطور المستمر بما يعزز أهداف التنمية المستدامة والمصالح المشتركة للبلدين الصديقين، كما تعبر عما سيق أن قاله الرئيس ماكرون من قبل بشأن الروابط العميقة التي تجمع الإمارات وفرنسا، حيث يتعلق الأمر بقيم إنسانية ومثل عليا تتجاوز الأزمنة والأمنة، حيث تتقاسم الدولتان بالفعل السعي لنشر قيم التعايش والتسامح وترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في مناطق شتى من العالم.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات