مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-06-01

دور محوري للقوات المسلحة في المهام الإنسانية والأزمات والطوارئ

رافد رئيسي وركيزة أساسية إقليمياً ودولياً

تلعب القوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة دوراً محورياً وتؤدي مهام رئيسية في تنفيذ المبادرات الإنسانية وخطط الاغاثة والطوارئ والاستجابة للأزمات الإنسانية في مناطق شتى من العالم، ما يعزز قدرة الدولة على الاضطلاع بواجبها ومسؤولياتها الإنسانية التي جعلت منها «العاصمة الإنسانية» للعالم، ويُعمق المسيرة المشرفة للعسكرية الإماراتية التي كان لها دور بارز ومشاركات رائدة منذ تأسيس دولة الاتحاد في الكثير من العمليات الإنسانية والاغاثية عالمياً.
إعداد: هيئة التحرير

وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على مظاهر وأبعاد وأهداف دور القوات المسلحة الإماراتية في المجالات الإنسانية وعلى صعيد تنفيذ خطط الطوارئ والأزمات في توقيتات مختلفة وبفاعلية مشهودة.
في كلمة وجهها إلى منتسبي القوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ49 لتوحيدها، أشاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بالدور الإنساني والوطني الكبير الذي تضطلع به القوات المسلحة، مؤكداً أن جهودها أصبحت «عنواناً بارزاً للعطاء والإخاء» على المستويين المحلي والدولي، وثمّن سموه ما تقوم به القوات المسلحة من مهام إنسانية، مؤكداً أن وقوفها الدائم إلى جانب الفئات المنكوبة خلال الكوارث والأزمات رسّخ سمعتها وطنياً ودولياً، لتكون نموذجاً يُحتذى في الإيثار والعمل الإنساني، وأكد سموه أن القوات المسلحة الإماراتية لا تقوم فقط بحماية الحدود والدفاع عن الوطن، بل تلعب دوراً محورياً في تنفيذ الجهود الإنسانية للإمارات داخل الدولة وخارجها، مشيراً سموه إلى أن هذه الجهود النبيلة تعكس الإيمان الصادق بالمبادئ التي أرساها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه حكام الإمارات المؤسسون، في نفوس الأجيال، حيث جسد الدور الانساني والاغاثي للقوات المسلحة الإماراتية رؤية استراتيجية متكاملة للعمل الإنساني باعتباره ضرورة ملحة لمواجهة مختلف التحديات الإنسانية في مناطق الأزمات والصراعات.

وتعد كلمة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، شهادة فخر للقوات المسلحة وجميع منتسبيها، كما تؤكد أهمية التكامل بين مؤسسات الدولة في تنفيذ رؤية القيادة الرشيدة وأهداف الخطط التنموية الطموحة ولاسيما على الصعيد الانساني والاغاثي، وفي مجال الطوارئ والأزمات، حيث باتت الإمارات أحد أبرز اللاعبين الكبار عالمياً في الاستجابة الفاعلة للكوارث والأزمات والطوارئ وقدمت يد العون والمساعدة لعشرات الملايين من المنكوبين والمحتاجين حول العالم خلال هذه الفترات الصعبة، حيث نقلت «سفراء» الخير والإنسانية من أبناء القوات المسلحة حاملين في أياديهم كل ما يحتاجه من يعانون الأزمات، سواء كانت بفعل اندلاع الحروب أو لعوامل طبيعية، وفي قلوبهم رسالة الإمارات الإنسانية والحضارية التي تعبر عن قيم دولة الإمارات ومبادئها.

 وإذا كان العمل الانساني بات مرادفاً لاسم دولة الإمارات وجزءاً لا يتجزأ من هويتها الوطنية، وأحد المعالم البارزة لسياستها الخارجية، فقد بات كذلك أيضاً في أداء القوات المسلحة الإماراتية، باعتبارها أحد أهم الأذرع الإنسانية للدولة، حيث ترجم أبنائها خلال جميع مهامهم الإنسانية الخارجية منظومة القيم الإنسانية النبيلة التي تؤمن بها دولة الإمارات، قيادة وشعباً، والتي دفعتها لأن تكون في صدارة الدول المشاركة ضمن قوات حفظ السلام في المناطق المضطربة، ومن أبرز المساهمين في عمليات الاغاثة الإنسانية، وفي صدارة الدول التي تسخر قدراتها ومواردها للقيام بمهام وواجبات إنسانية عديدة خارج حدود الوطن، ما بين إغاثة شعوب المناطق المنكوبة، ومدّ يد العون لها، إلى حفظ السلام والأمن في المجتمع الدولي.
هذا كه جعل من القوات المسلحة الإماراتية تمثل القدوة والنموذج في العمل الإنساني، وتبرز الوجه الحضاري والإنساني المشرق للدولة. وتنضوي مشاركة القوات المسلحة في مهام خارجية متعددة على العديد من الدلالات والمعاني، لعل أبرزها الالتزام بثوابت العقيدة العسكرية، وأسسها القائمة على صون الحق واحترام القانون والشرعية الدولية، ومسؤوليتها في محيطيها الإقليمي والدولي، وأنها عامل رئيس في إرساء الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

سجل حافل للدور الانساني والاغاثي
كانت بدايات تشكّل مهام حفظ السلام والأمن والاستقرار والدور الانساني والاغاثي للقوات المسلحة في عهد المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث كلفت القوات المسلحة بمهام خارجية حيوية، أولها في عام 1976 ضمن قوات الردع العربية في لبنان، وفي 1991 ضمن قوات درع الجزيرة لتحرير الكويت، ومشاركتها مع قوات أممية في عملية إعادة الأمل للصومال في عام 1992. وبعد ذلك تجلت أولى المشاركات الكبرى على الصعيد الانساني والاغاثي حيث توجهت القوات المسلحة إلى أوروبا عام 1999، لتقيم معسكراً لإيواء آلاف اللاجئين الكوسوفويين، الذين شردتهم الحروب في مخيم «كوكس» في البانيا، وكان يتسع لإيواء من 10 إلى 12 ألف لاجئ، فرضت عليهم ظروف الحرب مغادرة منازلهم، وقدمت كثيراً من المساعدات للمشرّدين والمحتاجين من أبناء كوسوفا إبان الحرب وقتذاك.

وقد ألحق بالمخيم مستشفى متكامل مجهز بأحدث المعدات الطبية، كما افتتحت القوات المسلحة في 8 مايو 1999 مطار الشيخ زايد الذي أقامته دولة الإمارات في مدينة كوكس شمال ألبانيا في زمن قياسي لنقل وإيصال المساعدات إلى اللاجئين.
وبعد ذلك بنحو عامين، أسندت للقوات المسلحة واحدة من أهم عملياتها الهادفة لصون الأمن والاستقرار وبناء الأمل في مناطق الأزمات، حيث شاركت القوات المسلحة الإماراتية في المساهمة في تخفيف المعاناة عن الشعب اللبناني من آثار الألغام في جنوب لبنان بالمساهمة في مشروع التضامن الإماراتي لنزع الألغام في عام 2001، والذي قدرت تكلفته بأكثر من 50 مليون دولار. وفي العام ذاته، بدأت مهامها أيضاً ضمن قوات «إيساف» الأممية في افغانستان حيث كانت لها دور حيوي في تأمين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني، جنباً إلى جنب مع التزامها بالمشاركة في خطط إعادة الإعمار والحفاظ على الأمن والاستقرار هناك.

وفي عام 2005، قامت القوات المسلحة بدور كبير عمليات الإغاثة المقدمة للشعب الباكستاني للتصدي لتداعيات الزلزال المدمر الذي تعرضت له مقاطعتي «آزاد جامو وكشمير» و»خيبر بختنخوا” . وفي عام 2008 كان للقوات المسلحة دوراً رئيسياً كذلك في إغاثة المنكوبين باليمن، جراء الكوارث والسيول التي تسببت بأضرار جسيمة للسكان. كما أسهمت القوات المسلحة في مشروع إعمار العراق، فكانت دولة الإمارات أول من يهب لإغاثة أشقائها في العراق الذين عانوا من سنين الحصار وويلات الحروب، وافتتحت القوات المسلحة عام 2003 مستشفى الشيخ زايد في بغداد.حيث تبنت القوات المسلحة فور وصولها إعادة إعمار المستشفى الأولمبي، وهو عبارة عن مستشفى قديم متهالك تعرض لأعمال السلب والنهب بصورة كبيرة، فقام فريق من المختصين بالقوات المسلحة من مهندسين وفنيين مواطنين بإعادة تأهيل المستشفى القديم، وتوصيل الماء والكهرباء واستكمال المستشفى الجديد الموجود في نفس المكان والذي أطلق عليه مستشفى الشيخ زايد.

أما في اليمن وباكستان، فقد لعبت القوات المسلحة دوراً حيوياً في عمليات إغاثة المنكوبين من جراء ما لحقهم من أذى نتيجة الظروف الطبيعية العنيفة والكوارث من زلازل وفيضانات وغيرها. ومن ذلك الزلزال العنيف الذي ضرب شمال جمهورية باكستان الإسلامية في 8 أكتوبر 2005، حيث أقامت القوات المسلحة جسراً جوياً منذ اليوم الأول للزلزال لنقل المعدات والتجهيزات الطبية والأدوية بالإضافة إلى الإمدادات الغذائية والاحتياجات العاجلة للناجين في المناطق المنكوبة. وتعتبر القوات المسلحة لدولة الإمارات من أوائل الجهات التي تجاوبت مع كارثة فيضانات باكستان، وتحركت بالسرعة المطلوبة لمساندة المتضررين، والوقوف إلى جانبهم، ومساعدتهم على تجاوز ظروفهم.

وبالإضافة إلى ذلك، قامت القوات المسلحة بدور مميز في الجمهورية اليمنية الشقيقة عندما تعرضت لكارثة السيول والفيضانات في أكتوبر عام 2008، حيث أقامت القوات المسلحة جسراً جوياً لتقديم المساعدات والإغاثة اللازمة لمتضرري الفيضانات والسيول.
وتُعد الإمارات من أبرز الدول التي تقدم الدعم الإنساني للسودان في مواجهة الأزمات المتعددة التي يمر بها، سواء بسبب الصراعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وتركز الدولة جهودها على تقديم مساعدات إنسانية شاملة تسهم في التخفيف من معاناة الشعب السوداني، ولاسيما بعد تفاقم الأزمة السودانية الناتجة عن الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الذي اندلع في أبريل 2023. وقد بلغ إجمالي المساعدات الإماراتية للسودان منذ بدء الأزمة نحو 230 مليون دولار، وبلغت قيمة المساعدات الإماراتية للخرطوم خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 3.5 مليار دولار.

وخلال المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان في باريس في أبريل 2023، أكدت دولة الإمارات تعهدها بتقديم ما يقرب من 100 مليون دولار لدعم الجهود الإنسانية في السودان ودول الجوار؛ حيث تم تخصيص 70 مليون دولار من هذه التعهدات للمنظمات الإنسانية لسد الاحتياجات العاجلة للسودان، و30 مليوناً لدعم اللاجئين السودانيين في دول الجوار. وأعلنت الدولة عن مبادرات إنسانية جديدة في تشاد بقيمة 10.25 مليون دولار لدعم اللاجئات السودانيات المتضررات من الأزمة. وقدمت أبوظبي نحو 30 ألف سلة غذائية من أجل تعزيز الدعم للاجئين السودانيين داخل أوغندا، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية داخل مخيم كيرياندونغو بأوغندا.

مرجعية قيمّية مُشرفة
 عكست المهام والأدوار الإنسانية والاغاثية التي اضطلعت بها القوات المسلحة على مدار العقود والسنوات الفائتة وفي ساحات ومناطق العمل المختلفة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، قيم انسانية وحضارية نبيلة أهمها: التسامح والتعايش والانفتاح وقبول الآخر ورفض الكراهية ونبذ العنف، وهي في مجملها شكّلت محتوى رئيسي لرسالة الخير والعطاء والتواصل الإنساني بين الشعوب.
وقد نجح أبناء القوات المسلحة في أداء دورهم ورسالتهم بشكل شهد له القاصي والداني في جميع مناطق الأزمات، حيث قدمت المثل والقدوة والنموذج الأنبل في مجال العمل الانساني والأداء الحضاري، وتفانت في تأدية أعمال الإغاثة والمساعدات الطبية والإنسانية التي كانت أحد أهم مجالات عملها من أجل تخفيف المعاناة عن المدنيين، وإبراز وجه الإمارات الحضاري والإنساني.كما لعبت القوات المسلحة دوراً حيوياً في تحقيق أهداف سياسة الإمارات الخارجية، خصوصاً ذلك الهدف المتعلق بالمساهمة في حفظ الأمن والسلم والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. ولاشك أن القوات المسلحة تنطلق في أداء دورها الانساني من عقيدتها العسكرية التي ترتكز على احترام القانون والشرعية الدولية، ونصرة المظلوم، وإغاثة المحتاج، وتكريس مبادئ التسامح والتعاون الإنساني، التي تشكل في مجملها أساساً قيمّيا رئيسياً لدولة الإمارات، التي ترى أن مشاركة قواتها المسلحة في مهام حفظ السلام والإغاثة مسؤولية إنسانية وأداة فاعلة لدعم استقرار العالم، لذا لم تكن مشاركاتها في المهام الإنسانية مجرد التزام أخلاقي نبيل، بل كانت امتداداً لقيم إماراتية أصيلة، أرساها المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتواصلت بعزم قيادتها الرشيدة وإرادتها الراسخة في التمسك بالوجه الانساني المشرق لدولة الإمارات.

«الفارس الشهم 3» أيقونة العمل الانساني الإماراتي
رغم أن العمل التنفيذي على الأرض في قطاع غزة قد اقتصر على الجمعيات ومؤسسات العمل الخيري الإماراتية، فقد كان دور القوات المسلحة في نجاح هذه العملية رئيسياً ومحورياً حيث نفذت عمليات النقل الجوي للمساعدات والانزال من الجو وغير ذلك، وهي العمليات التي تشكل الدعامة الرئيسية في نجاح هذه الخطط الإنسانية بشكل دقيق، حيث أطلقت الدولة حملة «طيور الخير» لإسقاط المساعدات الجوية على المناطق المعزولة التي يصعب الوصول إليها وهي عمليات دقيقة تنفذ عادة عبر طائرات شحن عسكرية عملاقة. وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، قد أمر في 5 نوفمبر 2023، العمليات المشتركة في وزارة الدفاع ببدء عملية «الفارس الشهم 3 « الإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، لم تتوقف جهود دولة الإمارات على مدار الساعة لوقف الحرب، وحماية جميع المدنيين، وإيجاد أفق للسلام الشامل، جنباً إلى جانب مع الجهود المكثفة والمتواصلة والمتنوعة لتقديم الدعم الإنساني والإغاثي لأهالي قطاع غزة ورعاية الجرحى والمرضى من خلال المستشفى الميداني الذي تم انشائه وعلاج مئات المرضى والمصابين في المستشفيات الإماراتية.

ولا زالت قوافل الخير والمساعدات مستمرة في إطار عملية الفارس الشهم، التي تعد أضخم العمليات الإنسانية الإماراتية، ما يعكس التزام دولة الإمارات الثابت تجاه الشعب الفلسطيني. وقد بلغ إجمالي المساعدات الإماراتية المقدمة في إطار هذه العملية الإنسانية، الأكبر من نوعها، حتى شهر مايو 2025 وذلك في إطار أسبوعها السادس والستين على التوالي، نحو 445 ألف طرد غذائي، ومليون 762 ألف كسوة ملابس، و1500 علاج لحالات مريضة ومصابة في مستشفيات دولة الإمارات برفقة أسرهم، و15896 خيمة إيواء، و110704 طرد أدوية ومستلزمات طبية للمستشفيات، بخلاف حفر آبار المياه،  وتوزيعها واقامة محطة تحلية مياه وافتتاح المخابز الآلية وانشاء مراكز الطعام في مناطق القطاع، وإطلاق حملة تطعيم ضد شلل الأطفال لأكثر من 640 ألف طفل تحت سن العاشرة، وإرسال مساعدات طبية وإنسانية جواً وبراً وبحراً إلى القطاع، وإصلاح شبكات المياه والآبار المتضررة في خان يونس وشمال غزة، وغير ذلك.

وتعد سلسلة عمليات «الفارس الشهم» أحد أهم المبادرات الإنسانية للإمارات، التي لعبت فيها القوات المسلحة الإماراتية دوراً بارزاً، وبدأت بعملية «الفارس الشهم 1»، التي نفذتها  دولة الإمارات لإجلاء الرعايا من مختلف الجنسيات من أفغانستان عام 2021، حيث وصل عدد الأفغان ورعايا الدول الصديقة الذين تم إجلاؤهم من أفغانستان إلى 36500 شخص.
وجاء بعد ذلك «عملية الفارس الشهم 2» التي استجابت خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل فوري مع نداء الواجب الإنساني بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير 2023م لمدة 5 أشهر متواصلة في إطار هذه العملية الكبرى، التي انتهت في 13 يوليو 2023، وأثمرت عن إنقاذ عشـرات الأشخاص من تحت الركام، وعلاج 13.500 مصاب، إضـافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية التي بلغت 15.200 طن عن طريق الجسر الجوي الذي تضمن تنظيم 260 رحلة جوية، حملت على متنها 6912 طناً من مواد المساعدات العاجلة بما في ذلك الخيام والأغذية الأساسية والأدوية، بينما تم نقل 8252 طناً من المساعدات الإنسـانية باستخدام 4 سفن شحن، لنقل مواد الإغاثة ومواد إعادة الإعمار إلى المناطق المتضررة. فيما استمر الدعم للأشقاء في سوريا من خلال هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، حيث تم تسليم كافة المهام والأنشطة إلى طاقم عمل الهيئة المتواجد في هذا البلد، وذلك لاستكمال بناء المساكن الخاصـة بالمشروع الأول ويضم 1000 وحدة سكنية، بالإضافة إلى المضي قدماً في التعاقد لإنشـاء المشـروع الثاني الذي يضـم 500 وحده سكنية مع مبنى عيادة ومسجد ومجمع تجاري، مع توفير المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية بشكل مستمر والوقوف على احتياجات القطاعات المختلفة ضمن عدة محاور تستهدف الدعم النفسي والاجتماعي.

شواهد ومؤشرات حيوية
يعد تقديم المساعدات الإنسانية الخارجية جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الإماراتية والتزامها الأخلاقي تجاه الشعوب، من دون أي ارتباط بدين أو عرق أو لون أو ثقافة. وجاء تخصيص المبدأ التاسع من المبادئ العشرة الحاكمة لمستقبل الإمارات خلال الخمسين عاماً المقبلة، للعمل الانساني ليعكس أولوية العمل الانساني ضمن رؤية الامارات المستقبلية، حيث ينص المبدأ التاسع من مبادئ الخمسين على أن «المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً.
وقد بلغ إجمالي المساعدات الإماراتية منذ تأسيس الاتحاد عام 1971 حتى منتصف عام 2024 نحو 360 مليار درهم (نحو 98 مليار دولار)، وهو رقم يعكس الالتزام الثابت للدولة بدعم الإنسانية. وطبقاً للتقرير السنوي للمساعدات الخارجية الصادر عن وزارة الخارجية الإماراتية.
وتمتلك الإمارات تجربة فريدة في مأسسة العمل الخيري، وكانت من أوائل الدول التي سارعت إلى تنظيمه، عبر وضع كل الأطر التشريعية والتنفيذية، التي تضمن له المرونة وسرعة التحرك، إضافة إلى فتح المجال أمام جميع فئات المجتمع، للإسهام في الأعمال الخيرية، عبر وسائل عدة، تشمل التطوع والتبرع ودفع الزكاة. وتزخر الإمارات بالجهات المانحة والمؤسسات الإنسانية والجمعيات الخيرية، التي تواصل أدوارها المؤسسية والمجتمعية، في مجال العمل الخيري، عبر تركيز مساعداتها الخيرية والإنسانية والتنموية في المجالات والقطاعات ذات الأولوية، بتوجيه واهتمام بالغ ودعم غير محدود من قادتها.

وشهدت السنوات الماضية، إطلاق دولة الإمارات العديد من المبادرات الإنسانية والخيرية، لمد يد العون إلى الأشقاء والأصدقاء، والوقوف إلى جانبهم في أوقات الأزمات والكوارث، منها حملة «عونك يا يمن» في عام 2015، وحملة «لأجلك يا صومال» في عام 2017، وحملة الإمارات إلى أطفال ونساء الروهينغا عام 2019، وحملة «لنجعل شتاءهم أدفأ» في عام 2022، الموجهة لدعم اللاجئين والنازحين في الشرق الأوسط وإفريقيا، وحملة «جسور الخير» في فبراير 2023 لنجدة المتأثرين من الزلزال في سورية وتركيا، وحملة «تراحم من أجل غزة» التي أطلقتها الإمارات لإغاثة الأشقاء الفلسطينيين المتضررين من الحرب في قطاع غزة، وغيرها من الحملات التي جسدت نهج الخير المتأصل في دولة الإمارات.

اليمن: قصة نجاح انسانية للقوات المسلحة
شاركت القوات المسلحة الإماراتية بكفاءة مشهودة دولياً في عملية «إعادة الأمل»، في إطار التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، من منطلق تخفيف معاناة شعبه الشقيق، حيث كان المحور الانساني أحد أبرز مهام القوات المسلحة في اليمن، وقد سطّرت القوات المسلحة ملاحم إنسانية عظيمة باتت نموذجا يدرس في التعامل الحضاري أثناء العمليات العسكرية بالتزامها بالمواثيق الدولية وقواعد الاشتباك المتفقة مع القانون الدولي الإنساني.
وفي سياق الدور الإنساني والإغاثي للقوات المسلحة، قام سلاح الخدمات الطبية بدور مهم وفاعل في مساعدة الشعب اليمني الشقيق، وهو دور متعدد الأبعاد والمراحل، لم يقتصر فقط على تقديم المساعدات الطبية العاجلة، وإنما استهدف أيضاً العمل على الوقاية والحد من انتشار الأمراض والأوبئة في اليمن. لقد أشرف سلاح الخدمات الطبية على توزيع الأدوية على مختلف المحافظات اليمنية بما فيها التي تخضع لسيطرة ميليشيا الحوثي، وكانت هذه المساعدات إما تقدم بشكل مباشر أو من قبل المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، كما تحرك بشكل فاعل، من خلال دعم العمليات الطارئة من أجل الحد من انتشار الأمراض والأوبئة المعدية، كما خصص عيادات متنقلة لتقديم الخدمات الطبية والصحية الأولية لإنقاذ حياة المدنيين من أبناء الشعب اليمني، وإجلاء المصابين في المناطق التي تم تحريرها.

وقد ثبت أن الدور الإنساني والإغاثي الذي قامت به القوات المسلحة الإماراتية، في اليمن كان له عظيم الأثر في التخفيف من معاناة الشعب اليمني الشقيق، خاصة أن هذا الدور تكامل مع الجهود والمبادرات التي تقوم بها الجهات والجمعيات الخيرية الإماراتية، التي لعبت دوراً إيجابياً بارزاً على هذا الصعيد، حيث ساعدت القوات المسلحة هذه الجمعيات والهيئات الخيرية على القيام بدورها الإنساني في اليمن على الوجه الأكمل.
وفي إطار دورها الاغاثي، عملت القوات المسلحة لدولة الإمارات على دعم المشروعات الإنمائية والإنسانية في اليمن، وذلك من منطلق إيمانها بأنها قوة أمن وتنمية واستقرار بالأساس، وكان لافتاً أنه ومع قيام القوات المسلحة بمهامها العسكرية، وبعد المشاركة في تحرير أي موقع أو مدينة أو بلدة، فإنها كانت تتجه إلى تقديم الدعم المدني لسكان المناطق المحررة على شكل مواد غذائية، ومستلزمات طبية وأدوية، وتنفيذ بعض مشاريع ترميم، وصيانة الكثير مما دمرته ميليشيا الحوثي الإرهابية.  وساعدت القوات المسلحة المؤسسات والجهات الإماراتية على القيام بمهامها في مساعدة الشعب اليمني، وخاصة فيما يتعلق بتوفير الخدمات الأساسية للمدن المتضررة بهدف عودة النازحين إلى ديارهم.  وفي هذا السياق فقد احتل مشروع إعادة تأهيل وصيانة مطار عدن الدولي صدارة مشاريع الإمارات؛ حيث استعاد مطار عدن عافيته بأيادي العون والمساعدة من دولة الإمارات.
لقد تركت القوات المسلحة الإماراتية بصمات تنموية وإغاثية مهمة للغاية في اليمن عبر إقامة مشاريع تحسّن من نوعية حياة اليمنيين. وقد كانت الأدوار البطولية التي نفذتها القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن، دليل على أنها قوة تصون وتحمي ولا تعتدي، وتؤمن بالقيم الحضارية والإنسانية، وتضع في صدارة أولوياتها حفظ السلام والإسهام في المهام الإغاثية الإنسانية، وتسخير خبراتها ومواردها كافة من أجل تحقيق أهدافها على هذا الصعيد؛ حيث قدم أبناء القوات المسلحة خلال مشاركتهم في اليمن صورة حضارية ناصعة عن العسكرية الإماراتية وهو ما أكسبها الكثير من الاحترام والتقدير الاقليمي والدولي.

خاتمة
ينطوي سجل القوات المسلحة لدولة الإمارات في المهام الإنسانية والأزمات والطوارئ على إنجازات نوعية كبرى تحققت جنباً إلى جنب مع الدور العسكري البطولي الذي لعبته، ولا تزال هذه القوات، في حالات وظروف ومناطق عديدة أثبتت خلالها قدرتها الفائقة على صون المكتسبات وأنها درع الوطن وسيفه، ويتمازج الذراعين الانساني والعسكري ويتشابكان ليشكلا صورة نمطية رائعة للقوات المسلحة تفخر بها الإمارات، قيادة وشعباً، حيث باتت مؤسسة تضاهي أحدث جيوش العالم، وتشارك بفاعلية واقتدار في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة وتحقيق أهداف التنافسية العالمية والخطط الطموحة لمئوية تأسيس الدولة.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-08-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-11-02
2014-03-16
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره