استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
بعد نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي تقلصت الحاجة الى القواعد وبالفعل شهد العالم اغلاق عدد كبير من القواعد العسكرية، ولكن هذا الوضع لم يدوم طويلا فبعد فترة هيمن فيها التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة على النظام الدولي وأذعنت خلالها القوى الكبرى الأخرى مثل روسيا والصين إلى قواعد اللعبة التي حددها التحالف الدولي عاد النظام العالمي إلى حالة متأزمة من التنافس الحاد بين القوى العظمى ولاسيما روسيا والصين اللتان تسعيان بقوة للتصدي للهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وإفريقيا وأوروبا الشرقية وشرق آسيا، والسعي لإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب يكبح جماح الهيمنة الغربية على العلاقات الدولية وانفرادها بقيادة العالم وفقا لمصالحها وقيمها.
بصورة متزامنة مع التحولات الجذرية في ميزان القوي الدولية ظهر تطور اخر يغذي النزعة نحو امتلاك القواعد العسكرية في الخارج التي جعلت عمليات الانتاج موزعة بين عدد كبير من الدول وأصبح المنتج الواحد ينتج في عشرات بل في مئات الدول وكل دولة تنتج قطعة صغيرة حسب المزايا النسبية التي تتمتع بها من حيث الموقع الجغرافي وتوافر المواد الخام ومصادر الطاقة والأيدي. وفرضت هذه العوامل مجتمعة حاجة شديدة الى ضمان حرية الملاحة البحرية وضمان منابع الموارد الطبيعية التي تغذي اقتصاد الدول الكبرى المتنافسة.
وأخيرا وليس أخرا ارتبطت عودة السباق لامتلاك القواعد العسكرية ارتباطا وثيقا بالحرب على الارهاب في اعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على برجي العالم نتيجة لذلك توسعت الكثير من الدول الغربية في اقامة قواعد لها بصفة خاصة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا لمواجهة الحركات الارهابية والحركات المتطرفة. بعد ظهور جماعات لا تلتزم بالقانون الدولي تشكل تهديدات عابرة للحدود وتتطلب تنسيقا اقليميا لمواجهتها.
وفي هذه المشهد الجيوسياسي المعقد اصبح التنافس الدولي على امتلاك القواعد العسكرية في الخارج ليس فقط شرطا ضروريا لحماية الأمن القومي للدول بل ايضا شهادة دخول نادي القوي الكبري وصك الاعتراف بدوائر النفوذ فيما وراء حدود تلك الدول.
ومن الملفات للنظر ان السباق العالمي على امتلاك القواعد العسكرية لم يعد قاصرا الآن على القوي التي هيمنت على الساحة الدولية في اعقاب نهابة الحرب العالمية الثانية بل امتد ليشمل ايضا كما تكثف قوى أخرى طامحة مثل اليابان وألمانيا والهند وإندونيسيا لتأكيد دائرة نفوذها سواء في جوارها المباشر أو خارجها.
ليس من المعروف على وجه الدقة عدد القواعد العسكرية الموجودة في مختلف انحاء العالم إلا ان أغلب التقديرات تشير إلى وجود نحو 1200 قاعدة عسكرية من بينها ما يتراوح بين 700 و 800 قاعدة عسكرية تملكها الولايات المتحدة الامريكية فقط في نحو 70 دولة في مختلف أنحاء العالم.
وفي الحقيقة فان عدم وجود ارقام محددة لعدد القواعد العسكرية حول العالم يرجع الى انه لا يوجد تعريف محدد لمفهوم القاعدة العسكرية فالبعض يضع القواعد العسكرية الصغيرة ضمن هذا التصنيف والبعض الاخر لا يعتد إلا بالقواعد العسكرية الكبيرة. وبالإضافة الى ما سبق فان الكثير من الدول تحيط قواعدها العسكرية بقدر كبير جدا من السرية مما يجعل تقدير عدد قواعد العسكرية على مستوى العالم بدقة امراً صعباً.
تمتلك الولايات المتحدة الامريكية وحدها نحو 800 قاعدة عسكرية في 70 دولة حول العالم. وفي عام 2014 فقط تراوحت تكلفة الانفاق على القواعد عسكرية الامريكية ما بين 160 و 200 مليار دولار. وتتوزع القواعد العسكرية الامريكية في العديد من الدول مثل اليابان وايطاليا وهندوراس والفلبين و العراق وتايلاند والفلبين وغيرها من الدول.
اما روسيا فتمتلك ايضا نحو 21 قاعدة عسكرية يوجد اغلبها في دول الاتحاد السوفيتي السابق مثل جورجيا وأرمينيا وكازاخستان واوسيتيا وابخازيا، كما أنها تمتلك ايضا قواعد عسكرية في مواقع اخرى مثل سوريا وجيبوتي. وتتنوع القواعد العسكرية الروسية في الخارج ما بين محطات للرادار ومطارات وقواعد جوية وأرصفة بحرية.
ويتردد ايضا ان روسيا اتفقت مع جمهورية افريقيا الوسطى على بناء قاعدة عسكرية روسية تتسع لنحو 15 الف جندي. وفي مطلع عام 2023 انتهت روسيا من وضع اللمسات الاخيرة على اتفاق مع السودان لإقامة قاعدة بحرية على البحر الاحمر تستضيف اربع سفن حربية روسية من بينها سفينة تدار بالطاقة النووية كجزء من استراتيجية روسيا للتواجد في منطقة القرن الافريقي والمحيط الهندي. وهذه القاعدة وفقا لما اوردته وكالة “الاسوشيتد برس” نقلا عن جنرال روسي، تلغي حاجة السفن الحربية الروسية لقطع مسافات طويلة للوصول الى المنطقة من خلال تواجدها في المنطقة إلا أن مصير هذه القاعدة اصبح محاطا بالشكوك في ظل استمرار الحرب الاهلية في السودان.
وبطبيعة الحال فأن التنين الصيني الصاعد بقوة على الساحة الدولية لا يريد ان يتلف عن لعبة التنافس الدولي على القواعد العسكرية ويرغب في تأكيد طموحاتها الجيوسياسية وحماية مصالحه في الخارج.
وتمتلك الصين حاليا قواعد عسكرية في جيبوتي وكمبوديا وطاجيكستان، ولديها قائمة طويلة من الدول التي تسعى لإقامة عسكرية فيها من بينها بورما وكوبا وغينيا الاستوائية وباكستان وسريلانكا وتنزانيا وغيرها من الدول. وتدرك الصين أن هذه القواعد العسكرية هي الوسيلة الحيدة التي تضمن لها حرية الملاحة البحرية والتجارة بعيدا عن فبضة الهينة الامريكية.
ولعل الموقع الجيوسياسي لجيبوتي عند مدخل البحر الاحمر بالقرب من مضيق باب المندب وقناة السويس وشبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط،وقربها الجغرافي من مسارح عمليات القرصنة في كل من اليمن والصومال هو خير مثال التنافس العسكري بين القوى الكبرى على اقامة القواعد العسكرية.
وتستضيف جيبوتي التي لا تزيد مساحتها عن 32 الف كيلومتر مربع ولا يزيد تعداد سكانها عن مليون ونصف المليون نسمة 8 قواعد عسكرية لدول مختلفة هي المانيا واسبانيا وايطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة والصين ودولة عربية، فيما تسعى روسيا لإقامة قواعد عسكرية.
وتتحدث الكثير من التقارير الاستخبارتية عن وجود تسهيلات عسكرية سرية لإسرائيل في جيبوتي، إضافة الي القاعدة عسكرية التي تملكها اسرائيل بالفعل في جزيرة «دهلك» في إريتريا بحسب ما كشفت عنه مؤسسة «ستارتفور” للتقارير الاستخبارتية.
وحتى الهند الطامحة للانضمام لعضوية النادي الدولي للقواعد العسكرية الخارجية تريد ان توسع من دائرة نفوذها لمواجهة توغل النفوذ الصيني في المحيط الهندي، وتمتلك نيودلهي 3 قواعد عسكرية في سلطنة عمان وطاجيكستان ومدغشقر.
تساؤلات مشروعة
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تتسابق الدول على امتلاك القواعد العسكرية ؟ وبعبارة أدق ما هي الفوائد العسكرية التي تحصل عليها الدول من هذه القواعد؟ وهل هذه القواعد تسهم في ترسيخ الامن والسلم ادوليين أم انها تزكي نيران سباق التسلح وتقرب مناطق الصراع الملتهبة حول العالم من حافة الحرب؟
والإجابة ببساطة أن القواعد العسكرية تمكن الدول التي تملكها من تحقيق اهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية. ومن المؤكد ان القواعد العسكرية عنصر اساسي وركيزة هامة من ركائز النفوذ العالمي للدول. وهذه القواعد التي تضم غالبا مخازن للذخيرة ومعدات عسكرية من مختلف الانواع والإحجام تعطي الدول التي تملكها مزايا لوجيستية عديدة.
ويقول الخبراء العسكريون انه بدون القواعد العسكرية لم يكن باستطاعة للولايات المتحدة ان تغزو العراق وأفغانستان ولولا التفوق العسكري الذي منه وجود القواعد العسكرية لما أمكن للولايات المتحدة ان تحقق النصر في الحالتين او على الاقل فأن تكلفة تحقيق النصر في ظل عدم وجود القواعد العسكرية كانت ستكون باهظة الثمن.
ويشير الخبراء العسكريون إلى ان امتلاك القواعد العسكرية يضمن للدول التي تملك هذه القواعد سرعة الرد العسكري على الاعداء والخصوم وخاصة في المناطق التي تبعد عنهم ألاف الأميال كما انها تخدم باعتبارها مخازن للأسلحة ما يقلص من الحاجة الى نقل الاسلحة والذخائر الى ارض المعركة في حالة تفجر الصراعات وبعض هذه الاسلحة قد تكون نووية.
وبالإضافة إلى ذلك يضمن امتلاك القواعد العسكرية حرية الملاحة الدولية وسلامة الممرات المائية اللازم لضمان تدفق التجارة العالمية وبصفة خاصة من السلع الاستراتيجية مثل البترول. يضاف الى ما سبق أن امتلاك القواعد العسكرية يسهم أيضا في منع عمليات القرصنة البحرية ومواجهة الجماعات الارهابية والجماعات المتطرفة.
وفي الحقيقة فان القواعد العسكرية يمكن ان تقوم بادوار اخري مساعدة فهي يمكن أن تستخدم كمراكز لجمع المعلومات الاستخباراتية والتصنت على المكالمات الهاتفية والبريد الالكتروني وفي بعض الحالات يمكن ان تستخدم القواعد العسكرية ابضا كساحات لاختبارات الاسلحة الجديدة بما في ذلك الاسلحة النووية. يضاف الى كل ما سبق ان القواعد تستخدم ايضا لإغراض التدريب وإجراء المناورات المشتركة.
وفي حالات اخري استخدمت القواعد العسكرية في عمليات نقل الاسرى والمساجين إلى مراكز التعذيب لانتزاع الاعترافات كما كان الحال في قاعدة “جوانتنامو” الأمريكية.
وبالإضافة الى كل الادوار التي تلعبها القواعد العسكرية فهناك دور مختلف يتمثل في ان القواعد العسكرية يمكن ان تكون اداة من ادوات الضغط على الخصوم خلال المفاوضات لدفعهم لاتخاذ مواقف اكثر مرونة في المفاوضات.
وفي الحقيقة فان صفقات امتلاك القواعد العسكرية اصبحت جزء من صفقات الاسلحة والمعدات العسكرية وغالبا ما تشترط الدول البائعة للسلاح على الدول المشترية ان تسمح لها بإقامة قواعد عسكرية، بحسب ورقة بحثية منشورة علي موقع(War on the rock) المتخصص في الابحاث العسكرية.
نعمة ام نقمة
يختلف المفكرون والخبراء العسكريون فيما بينهم حول ما إذا كان وجود القواعد العسكرية يؤدي الى منع حدوث الحروب من خلال الردع العسكري نتيجة اجبار الخصوم على اعادة التفكير في القيام بعمل عسكري لإدراكهم ان خصومهم يملكون قواعد عسكرية قريبة تمكنهم من ان التصدي لأي عمل عسكري يفكر الخصوم في القيام به.
وفي المقبل هناك فريق اخر من الخبراء العسكريين يري ان وجود القواعد العسكرية يتسبب في اندلاع الحروب والمواجهات ويطلق سباق دولي ما بين الدول الكبرى لامتلاك هذه القواعد ويزيد من احتمالات الاحتكاك بين هذه الدول وخصوصا في الجو والبحر.
وبعبارة اخرى فان القواعد العسكرية يجب النظر اليها على انها جزء من التحضيرات للحرب، ويدلل الخبراء العسكريون المعارضون لوجود القواعد العسكرية على وجهة نظرهم بقولهم أن القواعد العسكرية التي امتلكتها القوى الاستعمارية الغربية وخاصة بريطانيا وفرنسا في مستعمراتهما السابقة كانت سببا اساسيا من اسباب اندلاع الحربين العالميتين الاولى والثانية.
كما أن المانيا واليابان وكوريا الجنوبية وايطاليا. وهي الدول الاربعة الاكثر استضافة للقواعد العسكرية هي في واقع الأمر دول تعرضت لهزيمة ساحقة في حروب سابقة.
ويري المعارضون لوجود القواعد العسكرية أن تنافس القوى العظمى يزيد من احتمال نشوب حرب كبرى نظامية يمكن أن تكون لها عواقب كارثية، كما أنها تقوض عمل المؤسسات الدولية وتعقد الجهود الدولية لمعالجة مجموعة من المشاكل الملحة العابرة للحدود والتالي تتطلب استجابة واسعة ومتعددة الأطراف مثل تغير المناخ والقرصنة.
وبعبارة اخري فإن تنافس القوى العظمى لا يزيد فقط من احتمالات نشوب حرب بين القوى العظمى بل يزيد أيضًا من احتمالات وجود نظام دولي أكثر اضطرابًا وصراعًا.
معارضة دولية
برغم التسابق الشديد لامتلاك القواعد العسكرية فان هناك في المقابل تنامي للمعارضة وانتشار ووجود القواعد العسكرية. ليس فقط من منظور انها تساعد على الحرب ايضا من منظور انها تتسبب في كوارث بيئية والمخاطر الصحية الناتجة عن اختبارات الاسلحة التقليدية وغير التقليدية في الدول المضيفة والتي تتطلب مصادرة مساحات شاسعة من الاراضي المحيطة بالقواعد وهذه الاراضي تعد مصدر لرزق كثير من المواطنين الفقراء في الدول المضيفة.
بضاف إلى ما سبق ان انتشار القواعد العسكرية في بعض الحالات ارتبط بتزايد حالات العنف والاغتصاب التي يرتكبها الجنود الاجانب وفي كثير من الحالات فان الدول التي تملك القواعد العسكرية تشترط على الدول المضيفة عدم خضوع جنودها الموجودون في هذه القواعد لسلطة قانون الدول المضيفة وبالتالي لا يجوز محاكمتهم عن اي جرائم يرتكبونها بموجب قوانين هذه الدول كما هو الحال بالنسبة للجنود الامريكيين في القواعد الامريكية في كوريا الجنوبية.
وأدى تصاعد الغضب الشعبي من وجود القواعد العسكرية الى تكوين شبكة تحالفات دولية المنظمات المعارضة لوجود وانتشار القواعد العسكرية واتفقت المنظمات المشاركة في مؤتمر دولي عقد في مدينة “مانتا” في الاكوادور عام 2007 علي تنسيق الجهود الدولية لمنع انتشار القواعد العسكرية من خلال تبادل المعلومات وتنسيق الاستراتيجيات.
وتسعى هذه الحملة الدولية الى اجراء حوار في الامم المتحدة حول منع انتشار القواعد العسكرية ووضع ضوابط للقواعد العسكرية الموجودة بالفعل.وقد نجحت هذه الحملة التي تبنتها أكثر من 40 دولة في اغلاق بعض القواعد العسكرية كما هو الحال مع القاعدة العسكرية الامريكية في مدينة مانتا في الاكوادور والتي اغلقت في مارس عام 2007.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات