استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
سيناريوهات الحلول والتنازلات
بعد ثلاث سنوات من الحرب الروسية الأوكرانية، تغيرت بشكل كبير معادلات الأمن في أوروبا، حيث استنزفت دولها عسكرياً واقتصادياً، ما جعل القارة بأكملها تدخل مرحلة الأزمات والانحسار السياسي والعسكري والاقتصادي.
في الوقت نفسه، توسّعت الهوّة بين المواقف الأوروبية بشأن الدعم الأوكراني والموقف الأمريكي الذي ظل متحفظاً على الدعم اللامحدود لأوكرانيا، التي تعالت صيحات رئيسها فلودومير زيلنسكي من جراء عدم اقتناعه بمدى قوة الدعم الغربي والأمريكي على وجه الخصوص في مواجهة الآلة العسكرية الروسية التي سجلت تقدماً ملحوظاً في 2024؛ ما يفهم منه أن لعبة الاستراتيجيات الغربية ودور حلف الناتو لتشكيل مستقبل المنطقة يتغير تدريجياً من فكرة القضاء على روسيا وسحقها وتكثيف العقوبات وحصارها الاقتصادي، ومن ثمّ الانتقال إلى منظور جديد يقوم على طروحات واقعية قد تقبل بها الدول الغربية، ومنها التعامل مع روسيا وإنهاء هذا الصراع المنهك بالاعتراف للروس بالحدود والأراضي التي ضمتها بمقتضى استفتاء 2020.
كما أن عودة دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، قد يشكل أيضاً نقطة مفصلية في الحرب، حيث كان قد وعد بإيجاد تسوية للصراع الروسي الغربي، لكن بطريقة لا تزيد من حجم أعباء ومسؤوليات واشنطن بتقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا، على اعتبار أنه قد أشار في خطاب التنصيب الرئاسي إلى أن أمريكا لن تقدم مساعدات والمزيد من الأسلحة والعتاد لأوكرانيا وأن التسوية السياسية مسألة ضرورية لطي هذا الملف.
فكيف يمكن تصور سيناريوهات الحل؟ وهل تقبل أوكرانيا بالحلول التي كانت ترفضها من قبيل التنازل على العديد من الأقاليم لفائدة الروس؟ على اعتبار أن هذا الامر هو الحل المناسب للخروج من دائرة الصراع، بعدما اتضح أن الغرب لم يعد قادراً على الاستمرار في تعزيز الأمن الأوكراني سواء عبر تراجع الاتحاد الأوروبي وكذلك حلف الناتو عن واجباته الدفاعية.
أولاً: التقدم العسكري الروسي منعطف جديد
على ما يبدو أن روسيا تحرز تقدماً ملموساً في الحرب، ففي شرق أوكرانيا، تتحرك آلة الحرب الروسية تدريجياً عبر الحقول المفتوحة في دونباس، وتحيط بالقرى والبلدات وتسحقها، فيما يحاول بعض المدنيين الفرار قبل أن تصل إليهم آلة الحرب المدمرة، بينما ينتظر آخرون بداية القذائف في الانفجار ليتحولوا إلى مكان آمن في المناطق الغربية.
وتصاعدت مكاسب روسيا من الأراضي بوتيرة أسرع مما كانت عليه منذ أن شنت غزوها الشامل في فبراير2022، على الرغم من سجل أوكرانيا الجيد في شن هجمات غير متكافئة وناجحة ضد جارتها القوية.
وبحسب مصادر، فقد استولت القوات الروسية في سنة 2024 على أراض في «دونيتسك» تعادل نصف مساحة لندن الكبرى، كما استولت خلال العام نفسه على 600 كيلومتر مربع، استناداً إلى بيانات لمجموعة «ديب ستيت» المرتبطة بالجيش الأوكراني.
ووفقاً لخرائط عسكرية، بدأ تسارع التقدم الروسي شرقي أوكرانيا، واستمر هذا التسارع رغم توغل القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك غربي روسيا.
وبحسب محللين، فإن الروس يستغلون هشاشة الدفاعات الأوكرانية على طول خط الجبهة شرقي وجنوب شرقي أوكرانيا، فيما ترى العديد من المصادر، أن الحرب دخلت مرحلة قد تكون الأخطر في مسلسل الصراع المسلح، بعد تحقيق روسيا مكاسب ميدانية، وإعطاء الولايات المتحدة ضوءاً أخضر لأوكرانيا لضرب العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى.
وبالنظر إلى التفوق العددي للقوات الروسية، فإن القوات الأوكرانية تعاني على طول خط الجبهة، بينما أقر المسؤولون الأوكرانيون مراراً بصعوبة الوضع في المناطق الشرقية، في الوقت الذي أعرب فيه الأوكراني عن اعتقاده بأن الأهداف الحقيقية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي السيطرة على إقليم دونباس بالكامل (يضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك) وطرد القوات الأوكرانية من كورسك.
ثانياً: الاستراتيجية الروسية في مواجهة دعم غربي متخاذل
تسعى القوات الروسية بلا هوادة إلى إضعاف خط الدفاع الأمامي الأوكراني، حيث شنت روسيا في مايو2024، هجوماً على منطقة خاركيف، والذي على الرغم من تحقيق مكاسب إقليمية، توقف في نهاية المطاف.
ومع ذلك، توغلت حملات روسيا في الخريف والشتاء في عمق شرق وجنوب شرق أوكرانيا، وخاصة في دونيتسك، واستولت على أكثر من 4000 كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية.
وعلى الرغم من بعض الشكوك بين الخبراء والمهتمين، تظل روسيا واثقة من اقتصادها في زمن الحرب وتستغل العديد من البدائل الاقتصادية التي تجعلها لا ترضخ لشروط الدول الغربية.
ولا تزال التهديدات المبطنة التي أطلقها بوتين طوال الحرب باستخدام الأسلحة النووية تثير مخاوف الدول الغربية التي تخشى من خطر التصعيد، ذلك أنه في يونيو 2023، أعلنت روسيا عن نقل الأسلحة النووية التكتيكية إلى حليفتها بيلاروسيا، التي أكدت استلامها لها.
وفي يونيو 2024، أجرى الطرفان مناورات مشتركة بالأسلحة النووية، بينما عدل بوتين في نوفمبر 2024 من العقيدة النووية الروسية، مشيراً إلى أن بلاده ستواجه أي هجوم تقليدي من قبل أي طرف حليف لدولة نووية، كمبرر شرعي يعطي لموسكو حق الرد عبر شن ضربة نووية.
ثالثاً: هل يسرع ترامب من وتيرة إيجاد تسوية للحرب؟
لقد تلقت أوكرانيا مساعدات مستمرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تواصل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في دعم جهودها العسكرية في حربها مع موسكو.
وبعد انتخاب ترامب، يعتقد الكثيرون أن الحرب قد تنتهي هذه السنة، حيث كان قد لوح في حملته الانتخابية، وقد تعهد بإنهاء الحرب عند توليه منصبه وسعى إلى التوسط في اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
بالمقابل، أعرب زيلنسكي عن مخاوفه بشأن محادثات السلام الاستبعادية بين الولايات المتحدة وروسيا، خوفاً من حل غير متناسب وعادل لأوكرانيا ونقص الضمانات الأمنية لمستقبل هذا البلد الأوروبي، بينما تظل كييف متوجسة بشأن تجميد المساعدات العسكرية والإنسانية الأمريكية.
وتشير العديد من المصادر إلى أن الخطة الأميركية قد تتضمن تجميد القتال، دون الاعتراف بضم روسيا للأراضي الأوكرانية، وتأجيل انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
لكن في المقابل، ستحصل كييف على ضمانات أمنية مشددة، مع فرض عقوبات قاسية على موسكو في حال رفضت الصفقة.
وفي الحقيقة، يصعب التصديق أن روسيا وفي ظل هذا التقدم العسكري الملحوظ في الشرق الأوكراني، قد تتخلى عن مطالبها لإنهاء الحرب، خاصة أن موسكو ترى أن الدعم الأمريكي لكييف يجعل من واشنطن طرفاً في الصراع وليس وسيطاً محايداً، كما أنها لا تثق في فكرة التجميد المرحلي للصراع، لأن ذلك سيمنح أوكرانيا وحلفاءها فرصة لإعادة التسلح والاستعداد لمواجهة جديدة.
ومن ناحية أخرى، تراهن موسكو على التغيرات السياسية في أوكرانيا والذي يظل عاملاً مؤثراً في مستقبل المفاوضات، حيث تعتقد موسكو أن إمكانية تغيير زيلنسكي قد تفتح المجال لاتفاق أكثر مرونة.
رابعاً: خارطة جديدة لأوكرانيا قد تعزز النفوذ الروسي في منطقة البلطيق
سبق أن طرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صفقة لمبادلة أراض في أي مفاوضات تجري مع موسكو برعاية ترامب المتحمس لطي صفحة النزاع وإنهاء الحرب.
وطالما رفض زيلينسكي في السابق التخلي عن أي أراض للروس، إلا أنه غيّر موقفه بشكل دراماتيكي في 29 نوفمبر 2024 بعد أن أعرب عن استعداده للقبول بضمانات الحماية من حلف شمال الأطلسي تقتصر في مرحلة أولى على الأراضي التي تسيطر عليها بلاده، بهدف «إنهاء المرحلة الساخنة من الحرب» مع روسيا. وألمح حينها إلى أنه مستعد للتريث قبل استعادة المناطق التي احتلها الجيش الروسي، أي ما يناهز خُمس مساحة البلاد، إذا كان مثل هذا الاتفاق يمكن أن يوفر الأمن لبقية أوكرانيا ويضع حدا للنزاع.
بالمقابل، ورداً على مقترح زيلينسكي، رفضت موسكو اقتراح تبادل المناطق المحتلة مع كييف في إطار أي اتفاق سلام قد يتم التوصل إليه، مستبعدة أية فكرة تتعلق بتبادل يشمل أجزاء تسيطر عليها أوكرانيا في منطقة كورسك في غرب روسيا.
في السياق ذاته، فإن موسكو تنظر بعين الشك والريبة للدول الغربية وخاصة حلف الشمال الأطلسي الذي ما فتئ يخترق منطقة بحر البلطيق وضم العديد من دوله إلى عضوية الحلف العسكري.
وهو ما تعتبره روسيا إجراءات عدائية أكثر منها إجراءات دفاعية تمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، كما تعتبر أن الحلف أداة للمواجهة والصراع، لتوسعه نحو الحدود الروسية وتقزيم النفوذ الروسي في مناطق حيوية يعتبره بمثابة العمق الاستراتيجي والحيوي الذي ينتمي إلى منظومته بحكم الشواهد التاريخية والقانونية.
ودون شك، فإن أوكرانيا لن تعود كما كانت قبل الحرب مع روسيا، خاصة أن موسكو عبرت من خلال ضمها لجزيرة القرم سنة 2014 عن رغبتها واستراتيجيتها القومية الهادفة إلى عدم الاستسلام للغرب فيما يتعلق بمناطق نفوذه التاريخية، حيث ترى موسكو أن الدول الغربية ومعها حلف الناتو تستهدف روسيا وإرثها السلافي من خلال تسريع وتيرة ضم دول منطقة البلطيق إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف الشمال الاطلسي.
بالمقابل استغلت موسكو عدم قدرة الغرب على إنجاح عقوباته الاقتصادية التي تجاوزتها موسكو بمساعدة الصين والهند ودول حليفة أخرى وأن تتحول إلى عقوبات غير مجدية في ظل وجود بدائل واقعية، كما أن المساعدات الغربية لأوكرانيا تظل غير كافية لترجيح كفتها في مواجهة روسيا.
لكن من المؤكد أن إزاحة روسيا عن المشهد الدولي أمر غير ممكن خاصة مع وصول ترامب للسلطة، كما أن خريطة أوكرانيا لن تعود كما كانت قبل الحرب.
إن نظرية النصر الكاسح الروسية تبقى ممكنة في حال فشل شركاء أوكرانيا في توفير الموارد الكافية لوحدة الدفاع الجوي.
وإذا استمر الشركاء الداعمون لأوكرانيا في توفير الذخيرة الكافية والدعم التدريبي لوحدة الدفاع الجوي لتمكينها من صد الهجمات الروسية في عام 2024، فمن غير المرجح أن تحقق روسيا مكاسب كبيرة في عام 2025.
وإذا كانت روسيا تفتقر إلى احتمال تحقيق مكاسب في عام 2025، نظراً لعجزها عن تحسين جودة القوة للعمليات الهجومية، فإن هذا يعني أنها ستكافح لإجبار كييف على الاستسلام بحلول عام 2026.
خامساً: تسوية سياسية وشيكة قد تعكس موازين القوى
من الاحتمالات الواردة في غياب تسوية سياسية بين الطرفين الروسي والأوكراني، استمرار الحرب المدمرة، ومن الراجح أنه بعد عام 2026، سيسهم استنزاف الأنظمة الدفاعية في تدهور القوة القتالية الروسية بشكل ملموس، كما قد تتعطل الصناعة الروسية بشكل كافٍ بحلول ذلك التاريخ؛ ما يجعل احتمالات روسيا في تحقيق نصر بين تتراجع مع مرور الوقت.
وهذا الأمر، يتطلب من شركاء أوكرانيا إظهار قدر كبير من الكفاءة في تدابيرهم الرامية إلى مواجهة التعبئة الدفاعية الروسية، وهو ما يظل ممكناً إلى حد كبير على الرغم ضعف الأداء العسكري الأوكراني.
إن تبني نهج يهدف إلى ضمان مقاومة أوكرانيا حتى عام 2025 لا يقوض نظرية النصر للكرملين فحسب، بل إنه يوفر أيضاً الوقت الكافي لإنشاء عملية تعبئة وتدريب عقلانية لقوات الدفاع الأوكرانية بحيث يمكنها أن تبدأ في التفوق نوعياً على القوات الروسية، حتى لو استمرت الأخيرة في الزيادة في الحجم الإجمالي. وهذا أمر بالغ الأهمية لاستغلال الفرص لمواصلة تهديد روسيا وبالتالي إجبارها ليس فقط على السعي إلى المفاوضات، بل والتفاوض فعليًا على إنهاء الحرب بشروط مواتية لأوكرانيا.
في الحقيقة، فإن الدول الغربية والعالم لم يعد قادراً على دعم أوكرانيا، خاصة أن الولايات المتحدة الامريكية ركزت في الفترة الأخيرة على دعم إسرائيل في حربها على غزة وعدم اعتبار الحرب الأوكرانية حرباً أمريكية؛ ما يسمح بالقول بأن التسوية المحتملة للصراع سوف تراعى في العمق موازين القوى داخل الحرب ومراعاة جوانب الردع العسكري حتى لا تحرق هذه الحرب الأخضر واليابس في حال التهديد الفعلي باستخدام السلاح النووي من قبل الروس.
خاتمة
ختاماً، يمكن القول إن المتغيرات الدولية والإقليمية سوف تتحكم بشكل كبير في مجريات الأحداث في الساحة الأوكرانية.
فمع تولي ترامب الإدارة الأمريكية الجديدة لمدة أربع سنوات، قد تتغير الرؤى والمنظورات الأمنية العالمية بخصوص الصراع وقد يقترح ترامب حلاً يرضي الطرفين، وعلى الصعيد الأوروبي، هناك أيضاً تغيرات مرتقبة لحكومتي ألمانيا والنمسا، وترقب لسياسات حكومة فرنسا الجديدة، وتخوف من انهيار حكومة هولندا، وهذا ما يضع سياسات الناتو وأوروبا بشأن البلطيق في مرحلة اختبار حقيقي، لمدى قدرة هذه الحكومات على مواصلة دورها في الحلف وتحديداً في تأمين نفوذه بالبلطيق، وتوافق الرؤى مع رؤية واشنطن حول توزيع المهام داخل الحلف، في توقيت تستدعي روسيا كل قواتها لممارسة ضغوط على أوروبا.
إن الخروج من الحرب في أوكرانيا بأقل الأضرار، ربما يكون الحل المناسب لكل الأطراف، لكن بالتأكيد روسيا لن تقبل بأي شروط قد تضعف من نفوذها وتدفعها إلى التخلي على الأراضي التي سيطرت عليها وتعتبرها أراضي روسية.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات