مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-05-04

التعامل مع المتفجرات.. النموذج البريطاني جديرٌ بالتأمّل

تمثل التهديدات الناتجة عن الأجهزة المتفجرة المبتكرة (IED) ومخلفات الحروب من الذخائر غير المنفجرة خطراً دائماً يتطلب استجابة منظمة وشاملة.

اللواء الركن/م خالد علي  السميطي
في موازاة ذلك، تعد عمليات التفتيش الأمني(Search) ركيزة أساسية في مكافحة الإرهاب ومنع الجرائم والمحافظة على أمن المدن، عبر الكشف عن الأجهزة المزروعة والمواد المهربة المخفية.

في الوقت نفسه، تؤكد المؤشرات كافة على بقاء هذه التهديدات ضمن المخاطر الرئيسة التي تواجه الأمن الوطني والدولي؛ ما يستوجب من جميع الدول وضع خطط استراتيجية شاملة وتوفير مرافق تدريبية عالية المستوى لضمان جاهزية الأفراد والجهات المعنية.

  بالمقابل، يعتبر إنشاء مراكز تميز موحدة متخصصة ومجهزة بأحدث التقنيات التدريبية من الأمور المهمة لتعزيز الكفاءة العملياتية والتكامل بين القوات المسلحة، الشرطة، والجهات المدنية ذات الصلة؛ ما يضمن استجابة فعالة للتحديات الأمنية المتزايدة ويحافظ على الأمن والاستقرار.
فلقد أصبح من الأمور المعتادة في القوات المسلحة الحديثة تنفيذ الالتزام بخطط المراجعة العامة والتي تشمل مراجعة هياكل القوة لتحقيق عدة أهداف تضمن بقاءها مرنة وفعالة ومتوافقة مع المتطلبات الجيوسياسية والتكنولوجية والعملياتية المتغيرة.

ويأتي تحسين استغلال الموارد البشرية والمالية، الجاهزية المستقبلية، التأكد من عدم الازدواجية في العمل وفي البنى التحتية، الارتقاء بمستوى الكفاءة التشغيلية وتطبيق الدروس المستفادة من العمليات السابقة، في مقدمة الأسباب الداعية لمراجعة الهياكل التنظيمية.
وتأتي «مدرسة التخلص من المتفجرات التفتيشات الأمنية البريطانية» كنموذج جدير بالدراسة والتأمل والتجربة، خاصة وأنها مرت بعدة مراحل متعاقبة للتطوير، أثمرت تكوين مركز تميز بمواصفات عالمية.

ففي 2009، افتتح الجيش الملكي البريطاني «مدرسة التخلص من الذخائر المتفجرة، الذخائر التفتيشات الأمنية» (DEMSS) Defence Explosive Ordnance Disposal, Munitions and Search School، لتكون مركز تميز لتدريب عناصر القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية، إضافة لعناصر قوات الأمن والشرطة والجهات المدنية ذات الصلة بهذا المجال، على إدارة والتعامل مع الذخائر والمتفجرات، التخلص من الذخائر المتفجرة المبتكرة والتفتيشات الأمنية.

وكان الهدف من إنشاء هذه المدرسة هو توفير فرص تدريبية وبرامج تدريبية شاملة لدعم القدرات الدفاعية الوطنية من خلال إعداد أفراد عسكريين ومدنيين ذوي مهارات عالية، مؤهلين للتعامل مع بعضٍ من أخطر المهام في بيئات عمل معقدة وصعبة.

وتعتبر دراسة تجربة الجيش البريطاني في تأسيس مركز التميز المتخصص في هذا المجال جديرة بالدراس، للخروج بالدروس المستفادة لأجل تطوير العمل في الدول الساعية للارتقاء بقدراتها في هذا المجال الذي يحظى بأهمية متزايدة يوماً بعد يوم بفعل ما جرى في كافة العمليات الأخيرة ويجري في العمليات الجارية حاليا، مثل الحرب في أوكرانيا.

نبذة تاريخية
تتمتع القوات المسلحة البريطانية بتاريخ طويل وحافل في تطوير قدراتها على التخلص من الذخائر المتفجرة وإجراء عمليات البحث (التفتيشات الأمنية)، مرت عملية التطوير بعدة مراحل أسفرت في عام 2012 عن اكتمال مشروع تحديث  DEMSS.
وفيما يلي استعراض زمني مختصر لتطور المدرسة، حيث بدأت القوات المسلحة البريطانية بتطوير قدرات التخلص من الذخائر المتفجرة رسمياً استجابةً للتهديد المتزايد للذخائر غير المنفجرة خلال القرن العشرين.

وكانت البداية في سبتمبر 1939، بإنشاء وحدة معالجة القنابل التابعة لسلاح المهندسين الملكي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تقرر أن يتولى سلاح المهندسين الملكي تشكيل فرق مؤقتة لمعالجة القنابل إلى أن تنتهي عملية تجنيد وتدريب فرق مختصة للقيام بذلك.
وفي 1941 وخلال الحرب العالمية الثانية، تأسست مدرسة لتفكيك القنابل، ثم تم تأسيس مدرسة الدفاع للتعامل مع المتفجرات في 1966، ليأتي العام 2009، وتبدأ مرحلة التكامل بين الفروع العسكرية، ومن ثم افتتاح مدرسة الدفاع للتخلص مع المتفجرات والذخائر التفتيشات الأمنيةDEMSS .
يتبع المدرسة موقعان، الأول: متخصص في إدارة الذخائر والتدريب على التعامل مع العبوات الناسفة، والآخر: متخصص في التخلص من الذخائر التقليدية والتدريب على البحث والتعامل مع الذخائر البيولوجية والكيميائية.

   وكان في إنشاءDEMSS دلالة على التزام المملكة المتحدة بتوفير تدريب دفاعي متطور لمواجهة التهديدات المتغيرة بفعالية، فيما كان الهدف من المرحلة هو توحيد التدريب بين الجيش، البحرية، وسلاح الجو والجهات الأمنية لضمان الجودة وتطبيق معايير موحدة وتحقيق الاتساق بين الأفرع.
 ويبلغ عدد الموظفين في المدرسة نحو 200 موظف، حيث تستطيع المدرسة تدريب 300 طالب في وقت واحد (من البحرية الملكية، الجيش البريطاني، سلاح الجو الملكي، الجهات الأمنية والمدنية في الحكومة، والشركاء الدوليين) مع قدرة تدريبية سنوية تصل إلى 4000 طالب موزعين على 73 دورة تدريبية متخصصة تشمل:

- إدارة الذخائر والمتفجرات وضمان سلامتها: يشمل التدريب نظرية المتفجرات، صيانة الذخائر، التخزين ومعايير إنشاء المستودعات، التدقيق والتفتيش، عمليات التحقيق، والتخلص من المتفجرات. تعتبر إدارة الذخائر وظيفة لوجستية بالأساس، ويتضمن تدريب التخلص من الذخائر المتفجرة (كوظيفة تشغيلية) بالتعاون مع كلية الدفاع للوجستيات وإدارة الأفرادDCLPA (Defence College of Logistics and Personnel Administration).
التخلص من الأجهزة المتفجرة المبتكرة(IEDD) : وهو مجال رئيس يهدف إلى تدريب الأفراد على إبطال التهديدات المرتبطة بالأجهزة المتفجرة المبتكرة في البيئات المسيطر عليها والبيئات المعادية.
التخلص من الذخائر التقليدية  (CMD). 
التخلص من الذخائر البيولوجية والكيميائية(BCMD).
التفتيشات الأمنية: يشمل التدريب على البحث تقنيات متقدمة لمكافحة الإرهاب ومنع الجريمة، تحديد مواقع الأجهزة المزروعة والتعرف على المواد المهربة المخفية، يتعاون جناح البحث فيDEMSS مع وكالة تطوير الشرطة الوطنيةThe National Policing Improvement Agency (NPIA) لتدريب الشرطة البريطانية، مما يعزز الأمن العام.
وتقدم المدرسة دورات تدريبية لدول الناتو والكومنولث ودول أجنبية أخرى. يعزز هذا التعاون الدولي تبادل المعرفة وأفضل الممارسات، مما يدعم التكامل بين الحلفاء.

الاستفادة من التجربة
تعتبر التجربة البريطانية في إنشاء مدرسة الدفاع للتخلص من الذخائر والمتفجرات والتفتيشات الأمنية(DEMSS) نموذجاً رائداً في توحيد وتطوير قدرات التعامل مع الذخائر المتفجرة يمكن للدول الأخرى الاستفادة منه بإنشاء مراكز تميز موحدة تضمن تطبيق أعلى معايير التدريب والتنسيق بين الجهات المعنية.

ويتضمن وجود مركز موحد يعزز فعالية الجهود في تدريب وتأهيل الأفراد على التعامل مع التحديات الأمنية المتزايدة الكثير من الفوائد، منها: توحيد المعايير وضمان تنفيذ الأهداف الوطنية، وتطبيق معايير موحدة في التدريب لضمان الكفاءة والفعالية، وضمان تنفيذ الأهداف الوطنية للدولة، وتعزيز تبادل الخبرات بتوفير منصة لتبادل المعرفة والخبرة والدروس المستفادة بين مختلف الأفرع والجهات المستفيدة، والتعاون والتكامل وكفاءة الاستجابة بتعزيز العمل الجماعي بين أفرع القوات المسلحة، الشرطة، والجهات المدنية لتعزيز فعالية الاستجابة للتهديدات.

إضافة لذلك، فإن وجود هذا المركز يجنب تشتت الجهود، فبدلاً من توزيع الموارد بين جهات متعددة، فإن المركز يضمن استغلال الموارد بشكل أمثل.

يضاف لذلك، الاستغلال الأمثل للموارد الوطنية البشرية والمالية وضمان عدم الازدواجية، وتعزيز الأمن الوطني، بمساهمة المركز في تطوير التعاون بين القوات العسكرية والأمنية والجهات المدنية ذات الصلة ما يُمكن من مواجهة التهديدات المعقدة مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، مع الاستغلال الأمثل للبنية التحتية والتركيز على توفير مرافق تدريب بمواصفات عالمية في مقر واحد مما يضمن عدم هدر الموارد ويولد فرصة للتميز الإقليمي وتوفير فرص تدريب لكافة الجهات الراغبة من داخل وخارج الدولة، مع إمكانية أن تكون هناك عوائد مالية من تلك الفرص.
ومن الفوائد، تعزيز التعاون الدولي، حيث يمكن أن يوفر المركز فرص لتدريب منسبين من الدول الأخرى، كما يمكن إرسال فرق تدريب متخصصة للتدريب خارج الدولة.
 
وختاماً، فإن استنساخ التجربة البريطانية، في حال رغبة أي دولة بذلك، يتضمن وضع إطار تنظيمي لتحديد الأدوار والمسؤوليات بين الجهات المختلفة لضمان التكامل، وتطوير مناهج تدريب وطنية محدثة تلائم الطبيعة ومطالب مجابهة التهديدات للأمن الوطني.

وتعتبر دراسة النموذج البريطاني ودراسة نظيراتها في الدول المتقدمة أمراً مهماً للساعين في تطوير منظومة العمل يتطلب التخصص في مجال إدارة الذخائر والمتفجرات والتعامل مع المتفجرات والأجهزة المبتكرة ومهام التفتيشات الأمني التعاون التام مع كافة العناصر الوطنية المعنية داخل الدولة من جهة، مع ضمان توفير البينة التدريبية التي تحقيق أعلى المواصفات والبنية التدريبية التي تضمن تنفيذ أعلى معايير ضمان الأداء.
 
المصادر:
1- موقع الأرشيف الوطني البريطاني:https://webarchive.nationalarchives.gov.uk/.
2 - موقع فرع التخلص من القنابل لسلاح المهندسين الملكي https://www.royalengineersbombdisposal-eod.org.uk/our-history/.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-08-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-11-02
2014-03-16
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره