استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
تعرف الحرب الحديثة تطوراتٍ مذهلةً من خلال الاستجابة للتقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية، حيث أضحى من المستحيل أن نتنبأ على وجه اليقين بما ستكون عليه نتيجة هذه الحرب وما يحمله مستقبلها. بيد أنه يمكننا تحديد بعض الأنماط الدينامية للحروب الحالية وتوقع الاتجاهات التي أصبحت تختارها الحروب المتقدمة من الناحية التكنولوجية والمعلوماتية.
د محمد عصام لعروسي
وعلى المدى الطويل، أصبح من المرجح التفكير في جنود سايبورغ، والحوسبة الكمية، والحرب السيبرانية، والتستر الذي يصل إلى حد الاختفاء الحقيقي. وكذلك إعمال التكنولوجيا النانوية، وتسليح الفضاء، والصراع المستقل وغير المباشر، وإمكانات التكنولوجيا الحيوية التي باتت تؤشر بنشوء صراعات وحروب فيروسية وكيماوية؛ ما يسهم لا محالة في تغيير شكل الحروب المستقبلية.
إن احتمالات الحرب المستقبلية لا حصر لها، لكن يمكن إرجاع جميعها إلى دور التكنولوجيا في الحرب الحديثة، ومدى تأثير التقدم التكنولوجي الواسع النطاق، على سبيل المثال صعود المركبات غير المأهولة أو الطائرات المسيرة والاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية وعلى التنافس المعلوماتي.
ففي السابق، كان الفائز في الحرب يتحدد في المقام الأول على أساس من يمتلك أكبر حجم من العدة والعتاد، أما في الوقت الحالي، فإن الحرب الحديثة تخضع لتحولات عميقة يكون فيها الذكاء والتخطيط هما مفتاحا النصر. فكيف يمكن تنزيل الاستراتيجيات العسكرية الملائمة للاستفادة من الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية مع الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين؟
أولاً: الانتقال إلى نمط غير كلاسيكي من الحروب
يبدو أن الحرب الحديثة تسير على طريق هيمنة المركبات غير المأهولة، وخاصة منذ حرب فيتنام، حيث شهد العالم تحولاً في القيم المتعلقة بالحرب، ولم يعد من الممكن للشعوب تقبل الخسائر، سواء كانت من جانبهم أو من جانب أعدائهم، وعلى هذا النحو، نما استخدام المركبات الجوية القتالية غير المأهولة بشكل كبير، وفق دراسة أجرتها مؤسسة بروكينجز عام 2013، حيث كشفت هذه الدراسة عن أنه في الفترة من 2008 إلى 2013، ارتفع عدد طياري الطائرات عن بعد الذين تلقوا تدريبهم وتمكنوا من التخرج ضمن القوات الجوية الأمريكية من حوالي 500 فرد إلى 1300 فرداً.
وفي تعليقه على هذا الموضوع، يبرر الباحث السياسي مايكل بويل بأن هذا الاتجاه من المرجح أن يستمر بسبب زيادة تطوير الطائرات بدون طيار، ويقول: «مع تزايد الاهتمام العلمي والتجاري بالطائرات بدون طيار والقاعدة التجارية العميقة لتطويرها، فمن المحتم أن تستمر تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في التطور».
ويضيف: «تسعى الشركات المطورة للطائرات بدون طيار باستمرار إلى جعل منتجاتها أصغر حجماً وأكثر سرية وقادرة على تولي المزيد من الأدوار، وبالتالي، ستنفذ هذه الطائرات المستقبلية مجموعة أوسع من المهام المختلفة بالإضافة إلى الأدوار القتالية، مثل التزود بالوقود جواً، والعمليات القائمة على حاملات الطائرات، والاستطلاع الجوي على ارتفاعات عالية، والنقل. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تحل الطائرات بدون طيار محل المركبات التي يقودها البشر بالكامل بحلول عام 2050.
ثانياً: طائرات مسيرة ومخاطر أمنية
إذا كانت استراتيجيات الدفاع الوطنية والدولية تعطي الأولوية لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، فمن الأجدى من ذلك أن استراتيجية الدفاع الأفضل هي تلك التي تعتمد على زيادة التنظيم واحترام القيود القانونية. ومع استمرار تطوير الطائرات بدون طيار، «ستتفوق التكنولوجيا نفسها على الأطر القانونية والأخلاقية المعاصرة المرتبطة باستخدامها وتثير معضلات جديدة لم يتم تصورها بعد لصنع القرار السياسي.
لذلك يجب العمل على سن القوانين التي تهدف إلى منع أي مخاطر متوقعة لهذا الاستعمال المحفوف بالمخاطر خاصة إذا ما أصبحت الطائرات المسيرة متاحة لعدد كبير من الجماعات المتطرفة.
على سبيل المثال، لا زلنا لا ندرك ما هو تأثير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار على السلوك البشري والقرارات التي يمكن أن نتخذها في هذا السياق من قبيل تجييش جماعات إرهابية أو تمكينها من هذه الآلية العسكرية التي يصعب مراقبتها؛ مما قد يؤدي الى نتائج كارثية.
فإذا كانت الطائرات بدون طيار تنقذ أرواحاً بشرية، فإن هذا الإنجاز قد يودي بتكلفة مرتفعة في الأرواح، خاصة مع وقوع تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في أيدي المزيد من غير الجيوش النظامية، فإنها تمكن من زيادة المخاطر الإقليمية والدولية؛ ذلك أن الطائرات بدون طيار التي لا يقودها البشر أقل خطورة في نهاية المطاف من الإنسان ذاته، وهذا ما يجعلها مغرية؛ فما كان يعتبر في السابق محفوفاً بالمخاطر أصبح الآن ممكناً.
إن أفضل وسيلة للدفاع عن العالم في نهاية المطاف هي أن نعمل على تقنين الاستفادة من الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا، واتخاذ كافة التدابير الوقائية.
ثالثاً: المركبات غير المأهولة والمعايير القانونية
يتعين على العالم الاتفاق على وضع معايير قانونية صارمة لاستخدام وبيع المركبات غير المأهولة. وقد وضعت إدارة أوباما معايير تصدير صارمة وأطلقت إعلاناً مشتركاً مع خمسين دولة أخرى بشأن هذا الموضوع».
ولكن دونالد ترامب خفف الكثير من معايير استخدام الطائرات بدون طيار ومكن العديد من الدول من الاستفادة منها، وبالتالي فإن أفضل استراتيجية دفاعية تتمثل في توقع والاستعداد لمواجهة خطر وقوع تكنولوجيا الطائرات بدون طيار في الأيدي الخطأ، وبالتالي تنظيم وتتبع مبيعات الطائرات بدون طيار واستخدامها بشكل كبير.
إن المعايير والتشريعات القانونية موجودة بالفعل على غرار لوائح إدارة الطيران الفيدرالية للاستخدام المحلي في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن القيود السياسية المحيطة باستخدام الطائرات بدون طيار أضعف بكثير من إرادة الدول المنفردة، ناهيك عن اللوائح الدولية لما يعتبر أخلاقياً وقانونياً. على الرغم من أن طياري الطائرات بدون طيار داخل الولايات المتحدة مقيدين بقواعد الاشتباك، فإن أولئك الذين يأذنون بالقتل المستهدف أقل تقييداً في اتخاذ القرارات.
تتمتع القوى الكبرى بشفافية أو مساءلة متدنية حول كيفية استخدام تكنولوجيا الطائرات بدون طيار. وبالتالي فإن السماح للدول بتنظيم نفسها لن يكون كافياً ومجدياً، وستحتاج الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى إلى تنظيم التكنولوجيا من خلال تطوير هيئة تنظيمية دولية من شأنها أن تضع قوانين عالمية لكيفية استخدام الطائرات بدون طيار وبيعها.
رابعاً: الحرب الحديثة والتكنولوجيا الذكية
استفادت الحرب الحديثة أيضاً من زيادة آليات المراقبة، حيث تُستخدم الطائرات بدون طيار والمركبات الجوية غير المأهولة للمراقبة والاستطلاع لجمع المعلومات الاستخبارية في ساحة المعركة؛ ما يوفر رؤية شاملة وسهلة وخالية من المخاطر لكل مناورات وتحركات العدو.
وكما يقول فينود أناند: «لقد غيرت التكنولوجيا العمليات التقليدية بشأن الفعالية العسكرية. وعلى نحو متزايد، تسعى القوات المسلحة الحديثة إلى تحقيق التفوق على العدو بوسائل نوعية من خلال نشر التكنولوجيات المتقدمة. وهكذا حدث تحول من الكتلة والقدرة على الحركة إلى أساليب غير تقليدية لتعزيز كفاءة القتال. وبمساعدة التقدم التكنولوجي، تشهد الحرب الحديثة قيام القوات المسلحة بشن حرب قائمة على المعرفة، وبالتالي فإن المستقبل يكمن في الأساس في التكنولوجيات الرقمية والاتصالات.
فالطريقة المثلى للفوز بالحرب تتجلى في خوض الحرب الذكية والتصويب نحو القمر الصناعي؛ فإذا تم تعطيل اتصالات العدو فسوف يصاب جيشه بالعمى وتنعدم لديه الرؤية السليمة وتتعذر عليه المواجهة المتكافئة. ومع اعتماد البلدان على وسائل الاتصال المتقدمة، فإن هذا يجعل البلدان عُرضة لأي عدو قادر على تعطيلها أو تخريبها بنجاح. ومع صعود تكنولوجيا مكافحة الأقمار الصناعية، فإن الاستراتيجية الفضائية الوطنية والدولية بحاجة إلى إعادة النظر فيها وإلى المزيد من التطوير.
يمكن تسمية المرحلة الحالية بـ «ثورة الشؤون العسكرية»، مع ظهور تكنولوجيات تدميرية لدرجة أنها تفرض نفسها على المفاهيم والقدرات العسكرية القائمة وتستلزم إعادة التفكير في كيف، وبماذا، وعبر من تشن الحرب، وهي ثورة تتكشف لنا اليوم.
إن الذكاء الاصطناعي، والأنظمة المستقلة، والمجسات المنتشرة، والتصنيع المتقدم، وعلوم ميكانيكا الكم، كلها أشياء ستغير الحرب بشكل جذري كما فعلت التكنولوجيات المختصة في المراقبة والمتابعة والتنفيذ عن بعد.
خامساً: استراتيجيات المواجهة بتكنولوجيا ناشئة
كانت جذور الثورة المزعومة موجودة فيما أطلق عليه مخططو الاتحاد السوفياتي «مجمع الضربات والاستطلاع» في ثمانينات القرن الماضي، وأطلق عليه منذ ذلك الحين «حرب الشبكة المركزية» خلال التسعينات، ثم «التحول»، على يد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في 2002، فيما أسماه نائب وزير الدفاع روبرت وورك في 2014 «استراتيجية التعويض الثالث».
لكن الفكرة الرئيسية ظلت هي نفسها: تكنولوجيات ناشئة تفسح المجال أمام شبكات معاركيّة جديدة تقوم على استدخال المجسات والأسلحة لتسريع عمليات اقتناص واستهداف، وضرب التهديدات الجديدة، وهو ما يطلق عليه الجيش اسم «سلسلة القتل».
تشمل المناورة والحركة في الحرب عمليات الاختباء والبحث (المهاجمون يسعون إلى تفادي الانكشاف، والمدافعون يحاولون كشف أماكنهم) والاختراق والصد (المهاجمون يحاولون اختراق مجال العدو، والمدافعون يحاولون منعهم من الوصول).
لكن في عالم يستحيل مجسّاً واحداً ضخماً، فالاختفاء والاختراق؛ وهما ليسا بالأمر السهل في الحرب؛ سيكونان أصعب بكثير، ما لم يكونا مستحيلين، كما أن كمية البيانات التي تولدها الأجهزة على الشبكة، والتي تسمى «إنترنت الأشياء»، هي بوتيرة ستكون قد تضاعفت ثلاث مرات خلال الفترة الواقعة ما بين 2016 إلى 2021.
يرتكز التخطيط الدفاعي للولايات المتحدة الامريكية كأولوية قصوى، على مفهوم النظام الهيمني وضرورة التنافس مع القوى العظمى التي تمتلك جيوشاً متقدمة من الناحية اللوجستية والمعدات العسكرية، لا سيما الصين، وذلك من خلال القناعة والعقيدة العسكرية الأمريكية التي تؤمن بأن التكنولوجيات الحديثة، الجذابة والتي تُمثّل مجازفة في الوقت نفسه، هي واقع الحال أساسية بل ولا محيد عنها لأي امتياز عسكري مستقبلي، فيما أصبح القادة العسكريون الكبار وخبراء في الدفاع يقتنعون بأن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تسابق الدول الكبرى عندما يتعلق الأمر بمواجهة التهديدات بالطرق الحديثة وغير المسبوقة في التاريخ وعدم السماح بأي تخلف أمريكي عن الركب.
وشرعت الصين أيضاً بالعمل على مشاريع ضخمة بحيث تضعها في مقدمة دول العالم فيما يخص الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات متقدمة أخرى.
هذا لا يقتصر حصراً على الاستخدامات العسكرية، لكن كل واحد من هذه المشاريع الكبرى المتقدمة تكنولوجيا لديه تطبيقات عسكرية ومدنية، عملاً بعقيدة «الدمج المدني العسكري».
وبينما جيش الولايات المتحدة لا يزال يعامل بياناته كعوادم محركات، منتج جانبي عديم الجدوى، تتحرك الصين بحماسة سلطوية لكي تحتفظ ببياناتها وتعاملها كما لو كانت نفطا، بحيث تتمكّن من السيطرة على الأنظمة المستقلة والذكية التي تراها حاسمة للهيمنة المستقبلية على الحرب.
خاتمة
مما تقدم، يتضح أن القفزات التكنولوجية الهائلة غيَّرت أشكال الحروب، وقفز إلى الواجهة دور الأساليب غير العسكرية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والجيوسياسية، وفي الكثير من الحالات فاقت هذه الأساليب قوة وفاعلية الأسلحة التقليدية.
ويُعَد عدم وضوح الحدود الفاصلة بين أشكال الحروب المختلفة أحد التهديدات الرئيسة التي ستواجهها الدول المستهدفة، ويُستخدَم ضمن وسائل متعددة لتقويض دعائم الدول، خاصة أن النظريات العسكرية السائدة لم تَعُد قادرة على تفسير واستيعاب التحولات المتسارعة في أشكال الحروب، وتحتاج إلى فكر استباقي مرن غير نمطي لفهم متغيراتها؛ لذلك تُعَد دراسة التغير في أشكال الحروب والصراعات، والعوامل المؤثرة عليها والمصاحبة لها بصورة مباشرة وغير مباشرة، هي الأساس الصحيح الذي يبني استراتيجيات المواجهة.
كما أن التطور التكنولوجي والمعلوماتي، في غياب إطار نظري واضح، يدفع الدول الكبرى عموما الى تبني استراتيجيات وتكتيكات جديدة وخطط عسكرية تتلاءم مع طبيعة التغيير الذي يشهده العالم، في حين ما زالت الدول النامية تواصل الحروب التقليدية وحروب التحرر؛ ما يوسع الهوة بشكل كبير بين دول الشمال ودول الجنوب وخاصة من الناحية العسكرية.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات