استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
غالباً ما يحيلُ الحديث عن الحروب غير التقليدية إلى وجود فواعل جديدة تضطلع بأدوار عسكرية تماثل، بل وتنافس الكيانات الدولية التي تحتكر استخدام القوة، وفق تعريف المفكر الألماني ماكس فيبر للدولة. غير أن شكل الحروب المتغيرة أصبح واقعاً لا يختلف عليه في الكثير من الأوساط الأكاديمية، حيث أصبح الاختفاء والتستر واستخدام أساليب الحرب الهجينة من الاستراتيجيات العسكرية المتاحة للعديد من الدول وفي الكثير من الحروب و الصراعات.
تشمل صناعة الأمن الخاصة في الغالب الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تقدم خدمات عسكرية في جميع أنحاء العالم للحكومات الوطنية والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة غير الحكومية مقابل أرباح مالية خيالية.
وتشارك هذه الشركات في أنشطة مختلفة، من إجراء مهام تدريبية صغيرة إلى نشر وحدات قتالية تضم عدة مئات من الجنود المدربين المسلحين ببعض من أفضل الأسلحة، بما في ذلك الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية، كما تقدم أيضاً التكوينات المعرفية العسكرية والميدانية والاستراتيجيات حول كيفية الهجوم والدفاع في أنواع مختلفة من الصراعات.
ولم تكن «خصخصة الحرب» خياراً قابلاً للتطبيق خلال القرن العشرين، حيث كان كل استخدام للقوة العسكرية مقتصراً على الوحدات الدولية، لكن بعد نهاية الحرب الباردة بحلول نهاية عام 1991، حفل العالم بمجموعة من المتخصصين العسكريين والأسلحة دون استخدام عملي مع عدم وجود حروب تماثلية عالمية.
لكن بالمقابل، اندلعت العديد من الحروب الصغيرة والصراعات المسلحة الأهلية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أفريقيا؛ ونتيجة لذلك، اكتسبت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مكانتها وقوتها ونفوذها وأصبح الاعتماد عليها أمراً مألوفاً، حتى أن شركات من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، مثل شركة ساندلاين إنترناشيونال، اكتسبت شعبية عالمية.
ويوجد حالياً أكثر من 150 شركة عسكرية خاصة تقدم خدماتها في نحو 50 دولة، حيث يتطور حجم هذه الصناعة بسرعة كبيرة، فبحلول عام 2020، تم بيع خدمات بقيمة 223 مليار دولار؛ وهو مبلغ من المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2030.
ويظل السؤال المطروح هو: هل تساهم خصخصة الحروب وتراجع القوات النظامية في المزيد من الفوضى والاضطراب خاصة في الدول النامية؟
أولاً: شركات الأمن الخاصة والشرعية الدولية
يبدو أن العديد من الساسة والمسؤولين الحكوميين في الدول الغربية يؤيدون دقة وفعالية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ولكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة، أهمها مدى التزام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بقوانين الدولة التي تزاول فيها نشاطها، وبالتالي تصبح شرعية تصرفاتها موضع استفسار عندما تعمل في مناطق خارج حدود أوطانها، ذلك أن بعض من هذه الشركات تورطت في العديد من الملفات المرتبطة بانتهاك القانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية لحقوق الإنسان، وهدفها الأساسي هو تلبية احتياجات عملائها حتى تتمكن من الحصول على المزيد من الأموال والامتيازات..
على سبيل المثال، في عام 2004، تعرض بعض السجناء العراقيين في سجن أبو غريب للتعذيب الوحشي على أيدي أفراد من الشركة العسكرية الخاصة الأمريكية «CACI International»؛ حتى أن جنود الشركة المذكورة تجرؤوا على التقاط صور مع المعتقلين في أوضاع مهينة للكرامة الإنسانية، وعلى الرغم من ذلك، لم تتلق الشركة أية عقوبة من قبل الإدارة الأمريكية، واستمرت في تنفيذ عقود مع واشنطن بقيمة 23 مليون دولار.
في السياق نفسه، فإن خصخصة الجيش الأمريكي في حد ذاتها قضية مربكة ومثيرة للقلق، فلا توجد قوانين ملموسة لمتابعة ومقاضاة أولئك الذين يرتكبون الجرائم من أفراد شركات الأمن الخاصة، ففي عام 2019، ورد أن نحو نصف مخصصات إدارة الدفاع الأمريكية تم إنفاقها على دفع رواتب للمقاولات العسكرية من القطاع الخاص.
كما أنه من غير المعروف خلفيات وسياق ومواقع وأنشطة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على الرغم من أن عددهم يفوق عدد الجنود ضمن القوات النظامية.
في مناسبات عديدة، كانت هناك العديد من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تنشط في العراق وأفغانستان، وتوظف أكثر من 200 ألف فرد من العاملين في القطاع الخاص، حيث كان ينتمي المقاتلون ضمن هذه الشركات إلى جنسيات وبلدان مختلفة، بينما المعلومات المتعلقة بمساراتهم في مجال التدريب أو خلفيتهم الوظيفية أو سجلاتهم الجنائية غير متاحة ويصعب الحصول عليها.
ثانيـــاً: شـــركـــات الأمـــــن العسكـــريــــــة الخـاصـــــــة والجيوش المرتزقة
تستغل شركات عسكرية خاصة عابرة للحدود الأزمات التي تعيشها العديد من الدول حالياً لدخول سوق الموت مقابل مليارات الدولارات، تدفع لها ولمرتزقتها الذين تجندهم من بقاع مختلفة من العالم.
ومن العراق إلى ليبيا، مروراً بسوريا واليمن، وصولاً إلى أوكرانيا، تنشط عدة شركات عسكرية خاصة أميركية وروسية، لحساب دول وجيوش تسعى لتخفيض النفقات العسكرية والخسائر البشرية وتجنب الإحراج الدبلوماسي والمساءلة القانونية، خاصة عند وقوع جرائم حرب تسعى هذه الدول للتملص منها عبر تحميل الشركات الخاصة مسؤولية القتال المنفلت والذي يخالف الأعراف والقانون الدولي.
ويعمل لدى هذه الشركات مرتزقة وجنود مأجورون، وتستغل تلك الشركات ملايين الشباب حول العالم، خاصة من المناطق الفقيرة، سواء أفريقيا أو أميركا اللاتينية، وأحياناً المنطقة العربية، للانخراط في عملياتها العسكرية والأمنية القذرة.
إن السوق الدولية للمرتزقة والمقاولات العسكرية الخاصة تتجاوز 100 مليار دولار، وبات التمييز بين الاثنين أكثر صعوبة من الناحية القانونية والعملية. فالمرتزقة أكثر قوة وتنظيماً، وفي الوقت الحاضر، يطلق عليها اسم الجيوش الخاصة، وهم يمتلكون نفس المهارات التي تمتلكها شركات الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة؛ والفارق الرئيسي بينهما هي الجهة التي يوافقون على العمل لمصلحتها، ونتيجة لهذا، أصدرت الأمم المتحدة في إبريل/ نيسان 2005 القرار 2005/2 بشأن استخدام المرتزقة داخل الجيوش أو كجنود، حيث يحث القرار جميع الدول على توخي الحذر فيما يتصل بتوظيف المرتزقة من جانب الشركات الخاصة التي تقدم خدمات استشارية وأمنية عسكرية دولية.
وفي سبتمبر/ أيلول 2008، نشرت سويسرا واللجنة الدولية للصليب الأحمر وثيقة مونترو التي تضمنت توصيات لتمكين الدول من تنظيم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على النحو القانوني السليم.
ومن أشهر الشركات العسكرية التي جندت مرتزقة للقتال في بؤر التوتر العربية شركتي، «بلاك ووتر» الأميركية و«فاغنر» الروسية. وقد تورطت بلاك ووتر في جرائم قتل بحق مدنيين عراقيين، وأدين 4 من أفرادها بالسجن بين المؤبد و30 سنة، لقتلهم 14 مدنياً عراقياً، من بينهم طفلان، في بغداد عام 2007، في مجزرة أثارت غضباً دولياً من استخدام المرتزقة في الحروب.
و تعد سيراليون واحدة من البلدان التي عانت كثيراً بسبب تدخل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في سيادتها الأمنية، حيث تدخلت كل من شركتيExecutive Outcomes وSandline International في الحرب الأهلية في البلاد، والتي اندلعت من عام 1991 إلى عام 2002. وقد نفذت عملياتهما بناءً على منطلقات أساسية تتعلق بسبعة اشتراطات: الكفاءة والفعالية والمرونة والتعاون الميداني مع القوات النظامية وملائمة التكلفة والتأثير على الجيش الوطني والرقابة السياسية على المتعاقدين من المقاولات العسكرية.
وقد رغبت الحكومة المحلية في سيراليون محاربة القوات المتمردة، لكن الأساليب المستخدمة من قبل شركات الأمن الخاصة كانت على أحسن تقدير غير إنسانية. وقد أشار المشاركون في الصراع المسلح إلى هذه المخاوف والمزالق الأخلاقية الخطيرة، لكن ما تسبب في أكبر قدر من الارتباك و التشويش، هو استخدام المرتزقة الذين قاتلوا ضد الجماعات المتمردة كجزء من مقاتلي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، والجماعات شبه العسكرية أيضاً، ولقد وصل الأمر إلى حد أن بعض المتخصصين أطلقوا على هذه الشركات في ذلك الوقت اسم شركات المرتزقة.
ثالثاً: تحديات وجود شركات الأمن العسكرية الخاصة
تفرض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تحدياً هائلاً للقانون الدولي والعلاقات الدولية بشكل عام، فالدبلوماسية الدولية تراهن على قانون يحظر استخدام القوة في تدبير الأزمات الدولية، ولكنها تقليدياً لا تخاطب سوى الدول، ولا يوجد حتى الآن قوانين دولية وهياكل تنظيمية مناسبة للشركات العسكرية والأمنية الخاصة ولا يعترف بها كجهات فاعلة على المستوى الدولي.
ويتشكل الاتجاه السائد الذي يدعم التوجه بخصوص استمرار الفراغ القانوني وخصخصة الأمن، أربع دول، تحتكر ما يقارب 70% من سوق الشركات الأمنية الخاصة : الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والصين، وجنوب أفريقيا.
وتعد الولايات المتحدة موطناً لأكبر الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في العالم، فضلاً عن كونها عميلاً رئيسياً، في غياب كلي لأي قانون في الولايات المتحدة يتناول بشكل ما طبيعة الخدمات التي تقدمها هذه الشركات، حيث غالباً ما تقوم الشركات المتعاقدة الأمريكية بتسويق خدماتها في الخارج مع الحد الأدنى من الإشراف المركزي.
ولهذا فمن الضروري أن تغطي القوانين القطاع بأكمله، ولا سيما الجوانب الثلاث المتعلقة: القيود والعقوبات على الدول المتعاقدة (الدول التي تستأجر الشركات العسكرية والأمنية الخاصة)، والدول الإقليمية (الدول التي تعمل فيها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة)، ودول المنشأ (الدول التي تتخذ منها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مقاراً لها)
لقد أصبحت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ذات أهمية كبيرة لدرجة أن الأمم المتحدة نفسها وظفتها ضمن قواتها في الكثير من الأزمات، ففي الفترة ما بين 2012 و 2017، أقرت الأمم المتحدة بصرف 166 مليون دولار أمريكي مقابل خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
وكثيراً ما تبرر الأمم المتحدة اعتمادها على هذه الشركات بدعوى وجود اختلالات وفجوات داخل قوات حفظ السلام التقليدية من الناحية الكمية والنوعية.
ومع ذلك، ونظراً لعدم وجود قوانين واضحة تنظم العلاقة بين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والمنظمات الدولية، فإن الاعتماد عليها له تداعيات خطيرة على الأمن الدولي، وخاصة من خلال تحدي شرعية الأمم المتحدة.
رابعاً: هل تدير شركات الأمن الخاصة حروب الظل أو حروب بالوكالة؟
لا شك في أن العديد من الدول الغربية لجأت الى أساليب الحروب الهجينة، ومن بينها الاعتماد نسبياً في حروبها على الشركات العسكرية الخاصة، مع عدم تحمل مسؤولية وتبعات التجاوزات غير القانونية التي تتورط فيها هذه الشركات.
وتمثّل مجموعة «فاغنر» الروسية إحدى أشهر الشركات العسكرية التي تنشط في المنطقة العربية بعد أفول نجم «بلاك ووتر» الأميركية، وقد تردّد اسمها لأول مرة أثناء ضم روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014.
أسس أوتكين شركة «فاغنر» في العام 2014، وظهرت الشركة لأول مرة بالمشهد العام في شرق أوكرانيا، في آذار/ مارس 2014، في وقت كان الكرملين بحاجة إلى خوض الحرب هناك بشكل سري لتخفيف الضغوط الدولية ضده. ونشطت «فاغنر» في جزيرة القرم ودونباس ولوغانسك، وخاضت معارك عديدة ضد القوات الأوكرانية.
وتنشط المجموعة في ليبيا منذ 2016، وتدعم القوات الموالية للقائد العسكري خليفة حفتر، ويُعتقد أنّ ما يصل إلى 1000 مقاتل من «فاغنر» شاركوا قوات حفتر في الهجوم الذي شنّته على الحكومة الرسمية في طرابلس عام 2019.
كما شاركت قوات من المجموعة في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2017 بحراسة مناجم الماس، وفق ما أفادت تقارير إعلامية بأنّ المجموعة تنشط كذلك في السودان، حيث تعمل على حراسة مناجم الذهب.
وفي الآونة الأخيرة دُعيت مجموعة «فاغنر» من قبل حكومة مالي في غرب أفريقيا لتوفير الأمن ضد الإرهابيين، وقد كان لوصول المجموعة إلى مالي أثر في قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد عام 2021.
ووجهت العديد من الدراسات والتحليلات سهام النقد لروسيا وقبلها الولايات المتحدة الامريكية، لكونها تستعمل الشركات العسكرية الخاصة في حروب الوكالة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في العديد من بؤر التوتر في العالم، على سبيل المثال توظيف فاغنر في أوكرانيا وليبيا والتوظيف الأمريكي لشركات الأمن الخاصة في العراق، وهذا ما يرسخ القناعة بتغيير شكل الحروب التقليدية والحضور القوي لحروب الظل عبر فواعل غير دولية.
خاتمة
لا شك في أنّ عدم وجود إطار قانوني ينظم عمل الشركات العسكرية الخاصة، مع غياب الحد الفاصل ما بين العمل المؤسساتي العسكري النظامي والحقل العسكري غير المنظم في ظل وجود المرتزقة، يؤدي بشكل مباشر إلى تصعيد العنف وارتفاع منسوب النزاعات المسلحة، ويزيد من خطر انتهاكات حقوق الإنسان وإضعاف بل وتسفيه القانون الدولي، حيث إن انتشار هذه المجموعات الأمنية الموجهة في غالب الأحيان من قبل الدول الغربية، يجعل من مسألة المحاسبة على جرائم الحرب مسألة صعبة، ذلك أن عولمة الحروب وخصخصة القطاع العسكري، تضع على الهامش كل المقومات الأخلاقية والقيمية والقانونية وتهتم فقط بالزيادة في وتيرة التسليح و تصعيد المواجهات العسكرية لتحقيق مزيد من الأرباح.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات