مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-07-01

حاتم الطائيّ.. أنشودة النُبل!

من الشخصيات التاريخية التي بقيت تحيرني، ولا أخفي إعجابي بها، حاتم الطائي الذي أصبح شخصية عالمية أخباره موجودة في التراث الإنساني، وتناقلت قصصه الآداب العالمية، كان بعيد النظر، ثاقب البصيرة، فارساً شهماً، ورجل مروءة، فضل أن يبقى له من الصيت والسمعة أكثر مما يبقى له المال والحلال. 
 جدلية السؤال هي هل يمكن لصفات مثل: الكرم والشجاعة والبلاغة أن تورّث؟ أم هي أمور مكتسبة من الحياة، ومن ظروفها المواتية أو المغايرة؟ 
 
الشاهد أن حاتم كسب الكرم من أمه عتبة بنت عفيف التي بقيت على طبيعة جودها، وإن أدبرت الدنيا عنها، وقسى عليها الزمن، ومرة تذكرت حالها، فقالت:           
لعمري لقدماً عضني الجوع عضة          فآليـت ألا أمنـعُ الدهـرَ جائعـاً
 
ولأن طبعها كريم، كان يقنعها القليل من الكثير، وحين سألتها العرافة وهي حبلى: أغلام سمح يقال له حاتم أحب إليك أم عشرة غلمة كالناس، ليوث ساعة البأس، ليسوا بأوغال أو ضعفاء، ولا أنكاس، جبناء؟ فقالت: حاتم، وهي كنية عند العرب للغراب الأسود.
 
عاش حاتم يتيم الأب، حين فقد أباه عبدالله، فرباه جده لأبيه سعد بن الحشرج بن أمرىء القيس، ولما كبر فرّق الكرم والجود بينه وبين جده، لكن الكرم الذي انتمى له حاتم، هو من سيّده على قومه، ورفع من اسمه بين العرب قاطبة، وبين الروم والفرس، حيث أنشد:
وأجعل مــــالي دون عرضي جـنة               لنفسي وأستغني بما كـان مـــن فضل
ولي مع بذل المال في المجد صولة              إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل    
         
كان حاتم يدين بالمسيحية، وسكن وقومه في بلاد الجبلين في بلدة توارن في منطقة حائل، شمال السعودية، وفيها بقايا أطلال قصره وقبره وموقده الشهير، ومرة أوفد قيصر الروم رسلاً لحاتم لما بلغه من جوده وكرمه، وسمو أخلاقه، طالباً فرساً عزيزة عليه، تعد من كرام الخيل، فوصلوا ديار حاتم دون أن يخبروه عن مبتغاهم، ولا حاتم سأل ضيوفه كعادة العرب حين لا تسأل الضيف إلا بعد ثلاث ليال، فرحب بهم، ولما كانت كل مواشيه في المرعى، لم يجد لقرى ضيوفه إلا فرسه، فنحرها لهم، وحين ودعوه، سألهم إن كانت هناك حاجة في نفوسهم، فأخبروا أنهم رسل القيصر، أتوا طالبين فرسه الأصيلة، فقال لهم: لو أعلمتموني قبل نحرها، فعجبوا من سخائه وقالوا: لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا، وكان قد مر به ثلاثة من الشعراء هم: عبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، وكانوا يبغون النعمان، فقام ونحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا بالقرى اللبن، وكانت تكفينا بكرة، إذا كنت لا بد متكلفاً، فقال حاتم: قد عرفت، ولكنني رأيت وجوهاً مختلفة، وألواناً متفرقة، فظننت أن البلدان غير واحدة، وأردت أن يذكر كل واحد منكم مارأى اذا أتى قومه، فقالو فيه أشعاراً امتدحته، ومجدت فضله وجوده، فقال حاتم:" أردت أن أحسن إليكم، فصار لكم الفضل عليّ، وأنا أعاهد أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها، أو تقوموا إليها فتقتسموها" فأصاب الواحد منهم تسعة وثلاثين، ومضوا إلى النعمان.
 
كان حاتم يكنى بأبي سفانة، وبأبي عديّ، لم يدرك الإسلام، أما أبناؤه، فكلاهما أدركا الإسلام، وكانت سفانة أي اللؤلؤة تعد من أجود نساء العرب، وقد أسرت مرة، فجيء بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال كلاماً في أخلاق أبيها، وسيرته الطيبة بين العرب، ومكارم أخلاقه التي جاء الإسلام ليتممها، ويكملها، وقال: "أرحموا عزيز قوم ذل" فأكرمها، وأحسن وفادتها، وأرسلها إلى أخيها عديّ في الشام معززة مكرمة.
 
وحين وصلت، طلبت من أخيها أن يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، ويطلع على الإسلام وتعاليمه الذي كان يكن له، وللرسول البغضاء، فلما وصل المدينة استقبله الرسول صلى الله عليه وسلم وأجلسه بمحاذاته، وقال: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"، وعن عدي بن حاتم قال: "ما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا وسع لي أو تحرك لي وقد دخلت عليه يوماً في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه".
أسلم عديّ سنة 7 للهجرة، وخاض حروب الردة، وتوفي عن عمر المائة وعشرين عاماً وقد ورث عن أبيه السيادة والشجاعة والكرم وسمو الأخلاق.
 
لقد ظلت سيرة حاتم عبر العصور تتلى، واسمه يذكر، ويضرب بجوده وسخائه المثل، ويروى عن أبي صالح: أن حاتماً أوصى عند موته فقال: "إني أعهدكم من نفسي بثلاث: ما خاتلت جارة لي قط أراودها عن نفسها، ولا اؤتمنت على أمانة إلا قضيتها، ولا أتى أحد من قبلي بسوءة أو قال بسوء".
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره