مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-08-01

البحوث في النظم العسكرية

يعتبر علم الاجتماع العسكري أحد أحدث فروع علم الاجتماع العام وكعلم حديث عرف أولاً في الولايات المتحدة الأمريكية التي سارعت بارسال عدد من أساتذة الجامعات المتخصصين في علم النفس والخدمة الاجتماعية للوقوف على أوضاع الجنود فى مواقع العمليات لدراسة تأثير الحرب على أحوالهم النفسية والإجتماعية، وكانت تلك فرصة نادرة أتاحت إجراء اختبارات سوسيكولوجية لأعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين الذين زج بهم فى فى معارك حربية فى بلاد غريبة و بعيدة عن بلادهم، وقد لاحظ الأطباء وعلماء النفس الأكلينيكى أن المستجدين من الجنود لم يتحملوا مضاعفات الحرب بسبب صغر سنهم وانعدام تجربتهم، وقد كشفت التجارب عن وجود خلل مهني في إجراءات تعيين المجندين الجدد، مما اضطر المسؤولين تبني أساليب علمية لمعرفة الفروق الفردية،  كما تم الاعتماد على المقاييس السيكولوجية لاختبار شخصية وسلوك من تقرر تجنيدهم وكان لـ "روبرت يركس" رئيس الجمعية السيكولوجية الأمريكية عندئذ دوراً طليعياً فى تدعيم مبادرات القوات المسلحة، وتكفي الإشارة أنهم أول من استخدم مع فريق عمله اختبارات "الفا وبيتا" لتصنيف المجندين الجدد وكان ذلك فتحاً جديداً مما جعل إدارات الموارد البشرية تعتمد هذه الاختبارات كي تستمر إلى اليوم، وقد تبين أن من أكثر المشكلات التي لفتت أنظار علماء النفس مشكلة الروح المعنوية، وتم إجراء العديد من الاختبارات والدراسات حول المظاهر السلوكية للجنود أثناء المعارك الحربية، وتم رصد مستويات المخاوف والتردد من خوض المعركة فضلاً عن الحيل والأعذار الهروبية المختلفة كإدعاء المرض، وقد ظهرت نتائج هذه البحوث فى مجلدات (الجندي الأمريكي) التي أشرف عليها الخبير ستوفر وزملائه وتم تحليل ردود أفعال الجنود تجاه المعارك، وفى مراحل لاحقة تمكن فريق عمل متخصص من تطوير نظام عام لتصنيف الجنود الذي تم تطبيقه على "إحدى عشر ألف" جندي كعينة تجريبية شمل الطيارين والملاحين وقاذفي القنابل في القوات الجوية، وترتب على ذلك إنشاء إدارة للبحوث والدراسات العلمية العسكرية التي ساعدت صناع القرار على أداء مهمتهم بطريقة أفضل من الطلب الفوري لتنفيذ الأوامر العسكرية.
 
 وبالإضافة إلى جهود الأطباء وعلماء النفس، تم الاستعانة بأساتذة علم الاجتماع فشغلوا وظائف فى الجيش الأمريكي، ونجحوا في إدخال المنظور السوسيولوجي في تحليل الأنساق العسكرية طوال سنوات الحرب الفيتنامية، ثم عادوا للعمل مجدداً في وظائفهم الأكاديمية التقليدية إلا أن العمل استمر في إدارة البحوث والدراسات، وضم إليه قسم اختبارات أفراد الجيش الامريكي الذي عرف باسم وحددت له عدة مهام في البحوث السلوكية والدوافع الاجتماعية المؤثرة على فاعلية أداء المؤسسة العسكرية والعمل على تحسين صورتها فى المجتمع.
 
 وفي أعقاب سنوات لاحقة، تم توقيع مذكرة تفاهم بين القوات المسلحة وجامعة جورج واشنطن حيث تم بموجبها تأسيس مكتب بحوث المصادر والاجتماعية وقد أجرى المكتب عدداً مقدراً من البحوث والدراسات الاجتماعية كان من أهمها دراستين؛ الأولى عن أسرى الحرب فى المعتقلات الشيوعية، والثانية عن التباينات العرقية والسلالية فى القوات المسلحة، ثم مضت وزارة الدفاع فى جهودها لدعم الدراسات والبحوث العلمية في إطار تعاون وثيق مع أقسام البحوث بالجامعات فتم إجراء عدداً من الأبحاث تناولت الجماعات الصغيرة وأثر ديناميات الجماعة على الأداء العسكري وأخرى عن تماسك الوحدات المحاربة.
 
لقد شهدت حقبة الستينات تطوراً ملحوظاً فى ميادين البحوث والدراسات العلمية فى القوات المسلحة الأمريكية، ففي مطلع عام 1960،  ترك "روبرت مكنمارا" العمل بشركة فورد إذ تم اختياره وزيراً للدفاع، فحمل معه للبنتاجون اعتقاداً قوياً بأهمية البحوث العلمية  مع التركيز على البحوث الاقتصادية؛ إلا أنه عمل على تطويرهيئة بحوث الجيش فتم إنشاء وحدة للطب النفسي العسكري، وفي وقت لاحق تبين أن علم الاقتصاد وحده لايملك الإجابات للعديد من الأسئلة المطروحة حول الحرب والمجتمع والتنظيم العسكري، إذ تبين أن العاملين الاجتماعي والنفسي لهما تأثيرهما الأكبرعلى حياة منسوبي القوات المسلحة باختلاف مواقعهم ومراكزهم، كما تأكد أن البعد عن الوطن والأسرة لفترات طويلة يتسبب فى الشعور بالحنين العميق للوطن، كما أنه قد يؤدي إلى حالات من الانفصام  النفسي والعصبي.
 
 وما يجدر الإشارة إليه أن الولايات المتحدة الأمريكية أرست دعائم البحوث العلمية في الميادين العسكرية، وأن دولاً أخرى استفادت من التجربة الأمريكية فعملت على إنشاء وحدات للبحوث والدراسات العلمية المتخصصة في كافة ميادين العمل العسكرى،وهكذا أصبحت النظم العسكرية تهتم بالبحث العلمـي شأنها شأن النظم المدنية الأخرى، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الإجتماعية.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره