مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-11-01

الحــروب في التـــاريخ

ارتبطت مسيرة الجيوش على مدى التاريخ بغريزة العدوان عند الإنسان والميل الفطري للدفاع عن النفس وإثبات الذات أو مجابهة المخاطر كما يرى أساتذة علم النفس العسكري بينما يرى علماء الاجتماع أن العدوان كان دوماً شيء تمليه حاجة الإنسان لحفظ نوعه وضمان استقراره في بيئة تتوفر فيها حاجاته الضرورية أهمها الطعام والماء والطاقة، ولذا لم تكن ثمة ضرورة أن يعتدي فرد أو جماعة أو قبيلة على أخرى إلا إذا ضاقت بهم سبل كسب العيش والحصول على أي من ضروريات الحياة عندها  قد تضطر جماعة ما العدوان على أخرى لسلبها ما تملك من تلك الضروريات وذلك لضمان إشباع حاجات أفرادها، وجرت العادة أن يفرض المنتصر شروطه على المهزوم وتتوقف مطالبات المنتصر بالمتاح من ثروة مادية أو عينية لدى المنهزم الذي عليه الانصياع والطاعة والقبول، ويرى علماء الانثروبولوجيا الثقافية إن الإنسان خصوصاً في مراحل الصيد والرعي استعار إستراتيجية العدوان من الحيوانات فتعلم عبر الملاحظة الكيفية التي تهاجم بها الحيوانات المفترسة حيوانات أليفة لحاجتها الملحة للطعام، إلا إن الإنسان مضى إلى مرحلة الزراعة فعرف الاستقرار النسبي والعيش مع جماعة وراح يرتقي سلم التطور الحضاري عبر حقب زمنية طويلة استمرت آلاف السنين.
 
وفي إطار الواقع البيئي المتاح فبنى السدود وأقام المدن وشيد القلاع والحصون للحيلولة دون اقتحام الغزاة حيث يقيم ولم يمض وقت طويل حتى تضخمت غريزة الأنا وحب التملك لدى الإنسان وارتبط معها في تلك المراحل التاريخية ميولاً فطرية للحصول على المزيد من الطعام ليدخره للتوسع وامتلاك حقوق الغير واستلاب أراضي الآخرين، وبدأ واضحاً نزوع الإنسان لامتلاك ما لا يملك بطريقة مشروعة أو غير مشروعة أي سواء بالشراء أو المقايضة أو الحيازة بالقوة. وهكذا أصبح العدوان نمطاً سلوكياً له مرجعية غريزية وبواعث مجتمعية مدفوعة بحب السيطرة والتملك واثبات الذات. 
 
ومع ظهور الإمبراطوريات الكبرى، أصبح من الضروريات المحافظة على كيان الدولة؛ بناء جيش قوي للدفاع عن مقدرات الدولة وحماية السلطة الحاكمة، ومن هذا المنطلق سارت الحروب التقليدية تحقيقا لأهداف توسعية لإشباع غريزة التملك لدى الإنسان وهي من الغرائز التي يصعب السيطرة عليها ولهذا كانت الميكيافلية هي المذهب السائد عندئذ بمعنى "إن الغاية تبرر الوسيلة". ولهذا لم تهتدي الحروب التقليدية في عصور الحضارات القديمة بأي قيم أخلاقية..كان الدم يراق ويتم ذبح الشيوخ والمرضى وقتل الأسرى أو استرقاقهم أو بيعهم ويتم سبي النساء مع أطفالهن. وتحدثنا كتب التاريخ أيضاً عن الهمجية والبربرية التي اتسمت بها ظاهرة الحروب والكيفية التي طور بها الإنسان نظم التسليح مروراً بالسيوف والدروع والفؤوس والرماح والسهام وما إليها، في وقت كان المحاربون يواجهون أعدائهم وجهاً لوجه. ومع تطور شتى مجالات الحياة تبدلت استراتيجيات الحروب بل أصبحت العلوم العسكرية تدرس في كليات وأكاديميات متخصصة من أهدافها رفع الكفاءة القتالية لدى الجنود وتدريبهم على طرق جمع المعلومات الاستخبارية عن الأوضاع العسكرية لدى الدول الأخرى وعلى نحو تدريجي تراجعت الأشكال التقليدية الداعية للحروب بعد الهزيمة النكراء للجيوش الصليبية. وتشير البحوث المنشورة إن البشرية عانت كثيرا من ويلات الحروب الطويلة كما أن معاناتها لن تتوقف بسبب سيطرة غريزة العدوان وهكذا لا يوجد ثمة فرق يذكر بين إنسان ذلك الزمان والإنسان المعاصر من حيث الميل للعداون والرغبة في استلاب حق الغير ونزعة القتل وسفك الدم.
 
أن المشهد تبدل كثيراً مع بزوغ فجر الإسلام حيث كان ينتشر الإسلام والتبشير بالرسالة المحمدية في كل أرجاء المعمورة، وكان التصدي لمن يتجاسر على الدين الجديد أو الاعتداء على خاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عله وسلم.
 
ومن بوابة رفع راية الحق ودحر الظلم خاض المسلمون مضطرين غمار حروب عديدة ليس لبسط سيطرتهم وسيادتهم على الدول أو بغرض استعباد شعوبها أو للحصول على ثرواتها بل لتخليص أهلها من جاهلية الشرك بالله ودفعهم بعيداً عن عبادة الأوثان. ولهذا كانت غزوات المسلمين عبارة عن فتوحات إسلامية وليست حروباً لأن غايتها كانت من أجل الهداية والرشاد ونشر دين الحق وقد أشار القرآن الكريم في محكم التنزيل أن على المسلم آلا يبادر بالاعتداء إلا إذا تم الاعتداء عليه من قبل الأعداء عندها يتوجب عليه أن يرد على المعتدين كما سن الإسلام قواعد ونظم وتشريعات لأخلاقيات الحرب هي الأولى في تاريخ الجنس البشري.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره