مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-04-01

الهزيمة ليست قدراً !!!!

 لا شيء يحدث بالصدفة، حتى وإن بدا كذلك في الظاهر، مصائرنا ليست أخطاء تاريخية، كما أنها ليست أخطاء جغرافية، فللأقدار حكاية أخرى مع البشر، ولقد مررنا نحن الذين ولدنا على أعتاب مرحلة نشأة الدولة بمرحلة حياة كانت الأسرة تشكل بالفعل نواة وأساس المجتمع، من حيث دورها كجسر عبور لكل مكونات الثقافة الاجتماعية بدءاً بشعائر الدين كله وانتهاء بتفاصيل الحياة اليومية والاعتيادية، فالأسرة تمنحنا هويتنا الدينية والحمض النووي الخاص بهويتنا الاجتماعية وشكل تقاليدنا وانتمائنا ومجمل شخصيتنا  العامة، هذه الأسرة التي كانت تحفظ المجتمع بمحافظتها على البيت والفرد والطقوس والممارسات، لم تعد كما كانت لا شكلاً ولا دوراً ولا تأثيراً !
 
هناك تحول هائل في حياة أخوة الأمس وجيران البارحة وأحياء زمان، إن آثار التحول واضحة بجلاء في كل العالم وعلى كل العلاقات، لكنها أكثر وضوحاً في المنزل الخليجي والإماراتي، باعتبار أننا قد خضنا معركة التنمية والتطوير بقوة وإرادة سياسية واجتماعية معاً، ولقد حققنا نجاحاً أبهر العالم، لكن هذا النجاح قد أخذ منا أموراً عديدة ونحن في الطريق لكسب المعركة، اليوم نحن جميعاً نستشعر حجم خسارة ما فقدناه ، لكن وبرغم فداحة الخسارة إلا أنه لا تزال  الفرصة قائمة لعمل ما !
 
السؤال الذي لابد من طرحه بالتوازي مع الاحتفاء بنجاح مشروعنا التنموي في الإمارات هو: كيف نتعامل مع هذه التحولات بشكل نستفيد من خلاله إلى أقصى درجة من فرصها دون أن نخسر - بالمقابل - المزيد من ملامح هويتنا وثقافتنا وجذورنا وعلاقتنا بكل تفاصيل شخصيتنا الاجتماعية؟ هذه مهمة ليست سهلة، إلا أنها ممكنة إذا توافرت النية والإرادة (السياسية والشعبية) وإذا توافر الوعي والمحبة والحرص، الوعي بقيمة وحيوية هذه الهوية، والوعي بمخاطر التخلي عنها وارتداء أقنعة ملونة لهويات معولمة ومعلبة ومستوردة؟ أما المحبة  والحرص فهما  أمران  لازمان  حيث لا يمكنك أن تحرص على شخصية وهوية لا تحبها أو غير متصالح معها، كما لا يمكنك أن تتمسك بهوية وثقافة إلا إذا كنت تجدها عظيمة وتستحق الافتخار والتمسك بها!
 
إن اليابان بلد صناعي متقدم جداً، وهو مجتمع يعتمد على التقنية الحديثة إلى أقصى الحدود، إلا أن هذا المجتمع لا يزال يحتفظ بخصوصية ثقافية واضحة لا تخطؤها عين السائح منذ اللحظة الأولى، إذن فخلط الحداثة مع ثقافة الماضي أمر ممكن إلى جانب أنه غير معيق، أو غير معرقل، فالمرأة اليابانية مهما بلغت درجة تعليمها؛ إلا أن دورها كأم وزوجة يتقدم على كل الاعتبارات، وثوب الكيمونو لا يزال موجوداً، والطقوس البوذية لازالت صامدة في المعابد الضخمة، لم تقترب منها التقنيات والحداثة بعد، كما أن مدارس الشاي لازالت تجتذب الملايين، اليابان يتنفس تقنياً في ثوب الكيمونو المزركش والمعقد إلا أنه لا يشكو من أي اختناق أو صعوبة في الحركة!!
 
إن أكثر ما يشتكي منه الناس عندنا هو انخفاض منسوب العاطفة والإنسانية بين الناس في العائلة، وبين الجيران، والأقارب، والأصحاب، لقد سرقت عولمة السوق والحياة كل العاطفة والحميمية من العلاقات الإنسانية، فتخلخل كل النظام، نظام الفرد والعائلة والمجتمع، وبما أننا لا يمكننا إعادة العجلة إلى الخلف، فإننا يمكن أن نتوقف ونسأل أنفسنا إلى أين نحن ذاهبون وماذا نريد؟ وإلى أين نريد أن نصل؟ وهل تعنينا هذه الهوية وتلك الجذور أم لا؟ هذه الأسئلة ليست حكراً على الفرد أو الأسرة؛ ولكنها مطروحة على النظام الاجتماعي كله، وعلى مؤسسات التربية والتعليم، وعلى جهات التشريع والإعلام وغير ذلك، لنكون وعياً بضرورة الحفاظ على ثقافتنا وشخصيتنا وعلاقاتنا، كي لا نهزم باختيارنا في معركة ربما تكون قدرية لكن الهزيمة فيها ليست قدراً !.


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره