مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-01-01

في مواجهة ثقافة العنف والإرهاب

الإرهاب، والإرهابي، المصدر والصفة بلغة أهل اللغة لفظان أو مفهومان ملتبسان ومقلقان في نفس الوقت، فلكثرة ما تم استغلالهما، ولشدة ما تم تمريرهما على أسماع العالم صارا يشكلان الرعب، والحرب، والتهديد، والتاريخ، والاستغلال، لا ندري كيف هبطا علينا من حيث لا ندري، وربما كنا ندري لكننا لم نتيقظ للجذور والبذور والبدايات، فالإرهابي كائن يتحرك بيننا أحياناً حاملاً بذور جرائمه ولوثات نفسه، أو قد يقتحمنا تحت جنح الغفلة فلا نتنبه له إلا بعد أن نسقط بالضربة القاضية لإرهاب فكره ويده، هذا ما حصل في الجزائر خلال عشر سنوات مصبوغة بالدم ومدججة بالجثث التي ملأت كل مكان، وبدل أن تبقى الجزائر متباهية بلقبها المفضل "بلد المليون شهيد" حمّلوها غصباً وبهتاناً بلد المليون إرهابي ومليون ضحية، واتضح أن الإرهاب الدامي يومها قد أصاب نفسيات الناس وعقولهم في مقتل، فاختل البلد كله وعرفت تلك السنوات العشر العجاف بـ "عشرية الدم".
 
في ديننا الذي هو رمز متجسد ومجسد للتسامح والمحبة والسلام، يعتبر رفعك أية آلة في وجه أخيك المسلم تخويفاً وإرهاباً، طالما أنك قصدت إخافته وإدخال الرعب إلى نفسه، فما بالنا برفع المسدس والرشاش ووضع السكين على حد العنق، وجعل الإنسان متأرجحاً في عمق الخوف في المسافة  الفاصلة بين الحياة والموت، لا شيء أبشع من الخوف والتخويف، فالإنسان قد يموت من الخوف ومن الرعب حتى قبل أن تصل إلى جسده برودة نصل السكين ذاتها، إن الإرهاب سلوك بشع، تصنعه نفوس متاجرة بالروح والدين والدم، وتتبناه نفوس مريضة غير سوية، وإن أي مجتمع ابتلي أو سيبتلي به يكون قد حكم على نفسه بأكثر الأمراض سوءاً في تاريخ الحضارة الإنسانية، لقد انتهى لبنان تحت حوافر خيول الإرهاب والقتل، وذهب العراق ضحية له، وانتهت أفغانستان إلى مقبرة الموت اليومي، وها هي سوريا وليبيا وبلاد كثيرة يعربد فيها هذا المرض بلا رحمة.
 
في روايتها الأخيرة "الأسود يليق بك" تحكي الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي حكاية الشاب الوسيم الحسن الخلق علاء، والذي بالكاد قد تخرج من كلية طب الأسنان في قسطنطينة في شرق الجزائر، ويتجهز للذهاب إلى باريس، بينما تعد له أمه عدة العرس بعد أن اختارت له ابنة أختها نجلاء لتكون عروسه، وفجأة أدار القدر وجهه له حينما كانت قوات من العسكر تجتاح الجامعة وتقبض على علاء بلا تهمة سوى تلك الوشاية التي دبرها له أحد المنتمين للتيارات المتطرفة ليقضي شهوراً في المعتقل الصحراوي بلا تهمة، ثم لينضم لثكنات الإرهابيين بطريقة الخطأ، ثم لينتهي مقتولاً بطريقة غامضة، الحب وحده الذي يبني، أما التطرف والكراهية فيدمران المنجز الإنساني من جذوره.
 
لقد وجد الإرهاب والتطرف في كل الحضارات، وآمنت به جماعات كثيرة تدعي انتمائها لكل الأديان والرسالات، فقلعة (آلموت) التي بناها الإسماعيلي الحسن بن الصباح ليدرب فيها قواته الخاصة من الشباب الانتحاري تحت تأثير الحشيش، كان بدايات التطرف والإرهاب المنظم في التاريخ الإسلامي، وجماعات حراس الهيكل وخدام الصليب ودعاة الحروب الصليبية ودعاة الفتن ومؤسسي الحركات والمذاهب السرية المنحرفة في أوروبا والقائمة على فكرة العنصرية وإلغاء الآخر والدعوة إلى قتله، كل هذا وغيره كان يؤسس لما تعاني منه الإنسانية اليوم من تطرف لم يوفر أحداً، ولم يقتصر على دين أو منطقة، فمن أقصى شرق الصين إلى أقصى غرب الولايات المتحدة، الجميع اليوم يدفعون ضريبة الجنون الذي يسكن نفوس الإرهابيين المرضى في إنسانيتهم وعقولهم وقلوبهم.
 
نحتاج لأن نربي أبناءنا على التسامح في كل لحظة، وعلى المحبة في كل تفصيلة من تفاصيل سلوكهم وعلاقاتهم، نحتاج إعلاماً يعلي قيم المحبة والتعاون، ومناهج تكرس لفكرة البناء لا الهدم، والإبداع لا التخريب، نحتاج دعاة ومعلمين وخطباء وكتاب يدفعون باتجاه قيم الإنسان الذي أراده الله خليفة له راقياً بشرطه إنساني ومترفعاً عن الظلم والقتل والكراهية، نحتاج لأن نعمل بجهد كبير في زمن صار العنف يخرج علينا حتى من فتحات التكييف وذبذبات البث التلفزيوني.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره