مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-10-01

مشاهدات من نافذة مواربة

 صبية لاتينية يظهرها شكلها ذاك الآت من جبال الأنديز، وتلك السرعة المتداركة في لغتها التي لا تخطئها الأذن، تبدو أنها تبكي لهاتفها، وتعاتب هاتفها، لكن بعد إن احتدت في الحديث وأرتفع الصوت، وأشعلت سيجارة من سيجارة، وأحمر الوجه من حمى البكاء العميق، وسال عَرَق بجانب الصدغ اليمين بتكاسل متناه، أمكننا أن ندرك أن هناك شخص غير مبال على الجانب الآخر، والذي كدت من أجله كثيراً، حتى قمصانه الكتانية تبدو أنها كانت تشتريها له، لكنه لم يحفظ الود، ولم يمنعه جمالها المتواضع من المغامرة باتجاه أخرى، خاصة في غيابها وراء الرزق، كان ليلها باكياً، مجروحاً بما تعتق من العنب، والدخان الرمادي، في تلك الليلة تعب قلبها، وتعب هاتفها، وذاك النشيج الذي عادة لا يخرج من صدر امرأة، حاملاً كل هذه الترددات كصدى الحفر العميقة، إلا إذا كان تنهداً على رجل وهبته عروق حياتها أو على بنت صغيرة تكبر بعيداً عنها، وتخاف أن لا تراها ثانية، تخطو نحو مدرستها وعمرها.. سعيدة!
 
••عجوز استرالية وحيدة على كرسيها مع كتابها الباقي ربعه الأخير، بلباسها الرياضي الذي لا يتناسب وخريف العمر، لكن كل العالم الآخر كان لا يعنيها، كانت في ذلك المساء الذي كأنه حجزته لنفسها، تبدو أنها تعيش لحظتها أو هكذا توحي للآخر، بعد أن خدمت في مجال التعليم حتى ملت، وملت الحياة الرتيبة شبه اليومية، ووجه زوجها المحايد العائد كل ليلة من مشرب القرية الوحيد، تلك المرأة التي زحف إليها العمر سريعاً دون أن تدري، فجأة قررت أن ترى شمساً أخرى غير شمس أستراليا، وأن تجرب خطو قدميها على رمال لم تعرفها، فكانت الرحلة التي لم يكن فيها من رفيق، غير ذاك الكتاب المشرف على الانتهاء، وتلك السعادة التي تسرقها من عيون أشخاص هم  في العشرين! 
 
••شاب قميصه لا يمكن أن يوحي لك إلا أنه حلاق نسائي أو مصمم أزياء مبتدئ، تشغله الأمور الأنثوية حتى تكاد أن تذهب به إلى عوالم جديدة غير مجربة، كان يغالب وحدته، وتلك الغربة التي فرضها عليه عمره، والتي ربما أختارها كحل أخير للهروب إلى الأمام، ربما كان في ذلك المساء يحتاج لأي أذن لتسمع صوته المرتخي، فلديه أشياء يريد أن يتشاطرها مع الآخرين، ولديه أشياء لم يكن متأكداً من صفوها، لكنه محاصر بالوحدة، فقد غاب فهم الأصدقاء، وذهب كل واحد منهم متبرئاً من تعب الإنصات، وتعب العيون الخاطئة، كان في مسائه ذاك يبحث عن غير الذين يبحثون عنه، كان صمته يقول: آه كم هو صعب أن تبحث عن أصدقاء هاربين! 
 
••رجل أحضرته السبعين هنا.. وهو اليوم يتوكأ على السبعين، يتدحرج بثقله، يحضر للمكان، متذكراً عمراً غضاً كان هنا، يتذكر مديره الإنجليزي الذي كان قاسياً على الحق، ويتذكر كلماته التي خدمته في العمل والحياة، يتذكر شركة البترول التي كان مخلصاً لها كبلد، ويتذكر مغامرات العمر والغربة وتبدل العملة، وتلك الأمور التي تجعل من الرجل مزهواً بمنتصف العمر، ويتذكر مشاريع للحياة لم تكتمل، من حملت الأولاد معها إلى البلد الضبابي، ولم تعد تسأل إلا عن حوالة الحضانة، وحين يتعبها الصبي المشاغب في المدرسة الإنجليزية الصارمة، ويتذكر دون كثير من قلق عمن تحملت قليلاً ضريبة الزواج العائلي، ولم تضف لحياته شيئاً من معنى، لكن من تشق عليه كثيراً، وربما الآن أكثر، تلك الآسيوية التي عاملته كملك متخاذل، رضى أن يسمن بطريقة تقربه من الفيل، ويتشبه بثقل تحركاته، وحدها كان يبكيها، ويبكي تلك الطفولة التي لا تحب أن تكبر معها، وتلك البراءة التي لا تود إلا أن تكون فيها، يأتي به المكان، تسبقه ذكريات عمر مر هكذا، وعصا يدرب عجزه عليها، كان في مسائه ذاك، يود أن يسأل الوقت، ويسأل المكان، عن أناس كان يعرفهم، ولا يجدهم، عمن حملت الأولاد بعيداً في الضباب، ولم تسأل، وعن تلك الآسيوية الشقية التي كانت تفرح قلبه الذي كان يخفق كقلب فيل صغير!.     
 
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره